بين التحديّ والضعيف… أين موقع فرنجيّة؟

11 نوفمبر 2022
بين التحديّ والضعيف… أين موقع فرنجيّة؟


 
لم يخرج الدخان الأبيض يوم أمس، من جلسة إنتخاب رئيس الجمهوريّة الخامسة، وبقيت البلاد في الفراغ، في ظلّ عدم التوصّل لتسويّة رئاسيّة، وتأجيل الدعوة للحوار إلى أجلٍ غير مسمى. وبَقِيَ المجلس النيابيّ منقسماً بين مُصوّتٍ بالورقة البيضاء، وهؤلاء نواب بأغلبيتهم لديهم رغبة في ترشّيح رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، وبين مستمرٍّ في دعم رئيس “حركة الإستقلال” النائب ميشال معوّض، للتشديد على ضرورة وصول شخصيّة “سياديّة”، إضافة إلى أصوات نواب كتلة “التغيير” المشتّتة، وبعض النواب الذين ينتخبون بشعارات أو أسماء أخرى، وهم يرفضون المرشّحين المطروحين، ولا يزالون ينتظرون التوافق والإجماع.

 
ولعلّ أبرز ما يتحكمّ بجلسة الإنتخاب الأوراق البيضاء وتطيير الدورة الثانيّة، في رسالة أصبحت واضحة، ومفادها أنّ “حزب الله” و”حركة أمل” فرضوا الإتّفاق مسبقاً كما جرت العادة على إسم المرشّح، وضرورة أنّ يكون جامعاً. ويرى مراقبون أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي بدأ العمل على “طبخة” التسويّة”، وبات واضحاً موقف نواب كتلتيّ “التنميّة والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” في ترشّيح فرنجيّة غير الرسمي، بانتظار تأمين الأصوات الكافيّة له.
 
وشرع برّي بطرح فرنجيّة في أوّلى لقاءاته في عين التينة، مع رئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” وليد جنبلاط، يوم الأحد الماضيّ. وتوقّفت أوساط سياسيّة عند إعلان الأخير أنّه تمّ الإتّفاق خلال الإجتماع على عدم تأييد أيّ شخصيّة “تحديّة”، وهو ما أكّده أيضاً البيان الصادر عن مكتب رئيس المجلس. وتسأل الأوساط هل هذا الطرح يشمل فرنجيّة الذي يرى فيه داعمو معوّض أنّه مرشّح “حزب الله” و”تحديّ” مثله مثل رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل؟ وتُضيف الأوساط أنّ معراب رفضت دعم رئيسها سمير جعجع على الرغم من أنّه يحظى بالكتلة المسيحيّة الأكثر تمثيلاً، تسهيلاً للتوافق وعدم الدخول في فراغٍ طويلٍ.
 
وتُشير الأوساط إلى أنّ جنبلاط ونوابه، لا يزالون متمسّكين بترشّيح معوّض، وعدم إنتخاب أيّ إسمٍ قويّ من فريق الثامن من آذار، لكنّ كتلة “اللقاء الديمقراطيّ” كانت ولا تزال منفتحة على الحوار لإيجاد صيغة مشتركة بين أغلبيّة الأفرقاء لانتخاب رئيسٍ جامعٍ. وتُتابع الأوساط أنّ فرنجيّة يُمثّل “تحديّاً” للمختارة، نظراً لأنّ المكوّن المسيحيّ يرفض ترشّيحه، وقد اختارت “الجمهوريّة القويّة” و”لبنان القويّ” ان تدعم، إمّا رئيس “حركة الإستقلال”، وإمّا التصويت بورقة بيضاء.
 
وتقول الأوساط السياسيّة إنّ كلمة “التحديّ” هي العائق أمام دعم أيّ مرشّح، فنواب يرون فيها أنّ الشخص إستفزازيّ وغير جامعٍ، ويطمح فقط لوصول فريقه إلى موقع الحكم الأوّل في البلاد ومعاداة الأفرقاء الآخرين، تماماً كما حصل خلال السنوات الست التي مرّت، فيما نواب يرون أنّ “التحديّ” يعني في المركز الأساس الفريق الذي ينتمي إليه هذا المرشّح والمشروع السياسيّ وموضوع السلاح غير الشرعيّ، وهو بالذات ما يضع “فيتو” على إسمه.
 
ومن هذا المنطلق، تعتبر الأوساط أنّ وصول فرنجيّة إلى بعبدا، يعني فوز “حزب الله” للمرّة الثانيّة على التوالي برئاسة الجمهوريّة، وفي مقدّمة الرافضين لهذا الأمر “القوّات اللبنانيّة” و”الكتائب” و”اللقاء الديمقراطيّ” و”تجدّد” وبعض النواب المستقلين. ومن جهّة 8 آذار، فإنّ النائب باسيل يرى في دعم رئيس “المردة” خسارة لفريقه السياسيّ، لما يُشكّله من تمثيل مسيحيّ وازن، وتُذكّر الأوساط أنّه وضع شروطاً تعجيزيّة على أيّ شخصيّة ليبقى “رئيس الظلّ” كما كان خصومه يصفونه، لذا، يرفض السير بفرنجيّة أو أيّ إسمٍ آخر، ويعتبره إستفزازيّاً إنّ لم يرضخ لشروطه.
 
وبينما يعمل برّي على حشد الأصوات لفرنجيّة، ومحاولة إقناع حليفه التقليديّ وليد جنبلاط بدعمه، يلفت مراقبون إلى أنّ رئيس المجلس يُعطي أولويّة لنواب الشمال السنّة أيضاً في التصويت لرئيس “المردة”. ويوضحون أنّ الرئيس سعد الحريري كان إلى جانب جنبلاط في العام 2016، داعمين لفرنجيّة، قبل أنّ يفرض “إتّفاق معراب” تسويّة جديدة في وقتها. ويُضيف المراقبون أنّ نواب “الإعتدال الوطنيّ” عبّروا عن رفضهم إنتخاب أيّ شخصيّة “تحدي”، لكنّهم لا يُخفون رغبتهم بالتصويت لفرنجيّة، إنّ تأمّنت له الأصوات الكافيّة، ونال دعماً مريحاً في المجلس النيابيّ.
 
ويعتبر مراقبون أنّه فيما يُشكّل المرشّح “التحديّ” دخولاً في الفراغ وتضييعاً للوقت من جهّة، يرى آخرون أنّ تسميّة أيّ شخصيّة “ضعيفة”، وخصوصاً إنّ لم تكن آتيّة من بيئة مسيحيّة ونيابيّة وازنة إستفزازاً وأكثر “تحديّاً”، نظراً لأنّ “القوّات” تنازلت عن ترشّيح جعجع، فيما “حزب الله” استبعد باسيل من السباق الرئاسيّ. ويُشير المراقبون إلى أنّ نواباً، وفي مقدّمتهم الذين ينتمون لـ”الثنائيّ الشيعيّ”، يرون في فرنجيّة أنّه المرشّح التوافقيّ، وقد أثبتت حركته السياسيّة الأخيرة، وخصوصاً حضوره مؤتمر “إتّفاق الطائف” أنّه يعمل ليكون جامعاً ومقرّباً ليس فقط من الذين يُؤمنون بمبادىء الإتّفاق، وإنّما من الدول العربيّة، وبشكلٍ أساسيّ المملكة العربيّة السعوديّة.