كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”: يرى متابعون للاستحقاق الرئاسي، انّ ما يحصل اليوم من حدّة في المواقف تتعلق بهذا الاستحقاق، انما يرتبط بالتحديد بما يتصل بحظوظ وصول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى سدّة رئاسة الجمهورية، استناداً إلى المعلومات المتوافرة عن إمكانية حصوله على تأييد الاكثرية النيابية المطلقة (أي 65 صوتاً من أعضاء مجلس النواب الـ 128)، ما يجعله مرشحاً قوياً، يضع الآخرين في موقف ضعيف يتعرّضون من خلاله لضغط دولي في اتجاه وجوب إنجاز الإستحقاق الرئاسي.
ويقول هؤلاء المتابعون، إنّ هذا المعطى المبني على بعض الأرقام الصحيحة مقروناً بما توافر من معلومات من أطراف الخارج، عن أنّهم غير معنيين بتفاصيل الاستحقاق الرئاسي ولا بالأسماء المرشحة له، وإنما هم معنيون بإنجازه، كل هذا دفع بـ»القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» إلى استنفار الجهود بهدف خلق أمر واقع يمنع إنجاز هذا الاستحقاق على عكس ما يشتهيانه، خصوصاً ان كلاً منهما كان يعوّل على حليفه الاقليمي في المشاركة في صنع الرئيس، إلّا انّ الرعاة الاقليميين، ومن ورائهم الرعاة الدوليون، باتت أجنداتهم تختلف عن الأجندات المحلية كافة. وما نتائج الاجتماع الخماسي الأخير في باريس، والذي سادته اجواء من الفتور في مقاربة الاستحقاق الرئاسي الًا دليلاً على ذلك.
يجمع المراقبون على معادلة سياسية مفادها انّ حياة عون من حياة جعجع وبالعكس. فالاول سبب وجود الثاني وبالعكس. فحينما يمرض الاول يغيثه الثاني وبالعكس، إلى حدّ انّ احدهم قد روى في إحدى الجلسات، انّ احد الاعلاميين القريبين من عون راح يعدّد الاحزاب المسيحية من حزب «كتائب» وتيار «مردة» وغيرهما، فإذا بعون ينهره ويقول له: «للمسيحيين حزبين فقط وايّاكم تظهيرغيرهما»، فاستنتج هذا الاعلامي عندها انّه، كلما طال أمد عون وجعجع في السياسة فإنّ مصير المسيحيين سيبقى في أيديهما.
واليوم، يضيف المتابعون، يكاد اللبنانيون والخارج يجمعون على أن لا مانع من وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، لكن «التيار»و»القوات» يجدان في هذا الامر ما يشكّل خطراً عليهما، عبر إظهار خيار ثالث للمسيحيين، فإذا بهما يدقّان النفير ضدّه. متناسيان كل الدماء التي سيلت والإساءات التي نُطق بها والفرص التاريخية المهدورة للمسيحيين، ومعتبرَان انّ بقاءهما هو أولى من أي امر آخر، وهما على أتمّ الاستعداد للتضحية بما يملكان، حتى لجهة قبول التنازل المعنوي من اجل ذلك، والدليل إلى ذلك، هو تخطّي باسيل وعدم وقوفه عند الردّ الذي جاءه من جعجع عبر وساطة بكركي، بأنّه يقبل المصالحة معه إذا ما اقترع للمرشح النائب ميشال معوض او لجعجع نفسه. فلم يعتبر باسيل انّ هذا الامر هو من قبيل الإساءة وانما من قبيل «الضرورات تبيح المحظورات».
وبالإضافة الى ذلك، يقول المتابعون، لا يجب ان يغيب عن بال جعجع انّ مصالح «التيار» هي فوق كل اعتبار. إذ يعتبر انّ السياسة بمجملها هي سياسة مصالح، وما واقع علاقته مع «حزب الله» إلّا دليلاً واضحاً على ذلك، بالاضافة إلى مقاربته الغريبة للامور، فإذا به يعتبر انعقاد مجلس الوزراء مخالفاً للدستور فيما يذهب إلى المشاركة في الجلسة التشريعية التي على جدول اعمالها بنوداً لا تتسمّ بـ»تشريع الضرورة»، ضارباً عرض الحائط كلامه السابق عن انّ المجلس النيابي قد تحوّل «هيئة ناخبة».
فهل يقبل جعجع ان يغامر مجدداً ويأخذ باسيل منه فكّ العزلة والاطاحة بفرنجية، ومن ثم يتركه على قارعة الطريق، ذاهباً إلى «حزب الله» عارضاً عليه الغطاء المسيحي لأي مرشح يريده؟ ام انّ جعجع سيراجع حساباته ويُحسن القراءة في انّ وصول فرنجية يفيده ولا يضرّه، ويعطيه فرصة لإنهاء وجود باسيل السياسي والتربّع على عرش الزعامة المسيحية وتحضير الذات للانتخابات الرئاسية اللاحقة؟