لهذه الاسباب لم يسدد لبنان مُساهمته في ميزانيّة تشغيل الأمم المتحدة

15 فبراير 2023
لهذه الاسباب لم يسدد لبنان مُساهمته في ميزانيّة تشغيل الأمم المتحدة


كتبت دوللي بشعلاني في” الديار”: لم يبتّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة التي عُقدت في 6 شباط الجاري، موضوع مساهمة لبنان في الأمم المتحدة، الذي كان موضوعاً على جدول الأعمال من دون شرح الأسباب. وقيل بعد انتهاء الجلسة، بأنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سيُعالج الموضوع مع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، لكي لا يفقد لبنان حقّه في التصويت، بعد أن جرى تعليق هذا الحقّ منذ 17 كانون الثاني الفائت. وكان طالب بو حبيب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتيسكا بتوضيحات حول تعليق حقّ لبنان باكراً، في الوقت الذي كانت مهلة الدفع قد جرى تمديدها الى نهاية كانون الثاني، فيما جرى تعليق صوته قبل ذلك بأسبوعين. ولا يبدو لبنان مستعجلاً للدفع، رغم أنّ لهذا الأمر تداعيات كثيرة، ليس على بعثة لبنان الدائمة في نيويورك فقط، إنّما على دوره ومكانته وصوته في المنظمة الدولية، كبلد يتساوى مع الدول الـ 192 التي تتألّف منها، وعلى عملية تبادل الأصوات بينه وبين الدول الصديقة في العديد من المسائل المطروحة على طاولة مجلس الأمن.

 
وتلمس أوساط ديبلوماسية مطّلعة أنّ لبنان يُحاول الإستفادة ممّا ينصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة، من خلال التلكؤ أو المماطلة في الدفع، وصولاً الى عدم تسديد مبلغ المليون و835 ألف و303 دولار أميركي كمساهمته في ميزانية تشغيل الأمم المتحدة، ما يعني أنّه يسعى للإحتفاظ بحقّه في التصويت، مع إعفائه من الدفع. وينطلق لتحقيق هذا الأمر من المادة 19 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنصّ على أن تمنح الجمعية العامة سلطة تقرير “أنّ عدم الدفع يرجع إلى ظروف خارجة عن إرادة العضو”، وفي هذه الحالة يمكن لأي بلد أن يستمر في التصويت.أمّا السبب الأساس الذي يعتمد عليه لعدم سداد المساهمة حتى الآن، فهو على ما أوضحت الاوساط، أنّ لبنان يتحمّل أعباء النزوح السوري عنه وعن المجتمع الدولي. وقد طالب بو حبيب من فرونتيسكا بنقل هذه الرسالة للأمين العام للأمم المتحدة والدول الأعضاء. علماً بأنّ المجتمع الدولي كان يرفض تحقيق عودة النازحين السوريين الى بلادهم، بحجّة عدم توافر الظروف الملائمة، رغم أنّها كانت مناسبة، فكيف اليوم بعد الزلزال الكبير الذي أصاب سوريا في 6 شباط الحالي، وأدّى الى تدمير المباني السكنية في محافظات عدّة في البلاد؟ ورغم تعاطف لبنان مع الشعب السوري المنكوب، غير أنّ هذا لا يلغي مسألة أنّ لبنان تكلّف ما يفوق طاقته وقدرته على تحمّل أعباء النزوح الذي تخطّت كلفته الإجمالية الـ 40 مليار دولار أميركي منذ العام 2011 وحتى تاريخه. من هنا، يتوقّع لبنان أن تتمّ معاملته بطريقة مختلفة من قبل الأمم المتحدة، لا سيما من قبل الدول التي تثمّن عالياً استضافته الكريمة للنازحين السوريين، الذي يتخطّى عددهم نصف سكّان لبنان، ويُشكّل هذا الأمر نموذجاً غير مسبوق في العالم.ولهذا، يريد لبنان إقناع الأمم المتحدة أنّ عدم الدفع “ناتجة عن ظروف خارجة عن إرادته”، على ما أضافت الأوساط نفسها، لكي يحتفظ بحقّه في التصويت في الأمم المتحدة. ويعود للجنة الإشتراكات التي عليها أن تُقدّم التصويت للجمعية العامّة بشأن الإجراء الواجب اتخاذه فيما يتعلّق بتطبيق المادة 19 من الميثاق، لتتخذ الجمعية العامة القرار بشأنه (وفق المادة 160 من النظام الإجرائي للجمعية العامة). غير أنّ هذه اللجنة تجتمع سنوياً لمدّة 3 إلى 4 أسابيع، عادةً في شهر حزيران من كلّ عام. وستعقد لجنة الإشتراكات دورتها الثالثة والثمانين هذا العام في الفترة الممتدة من 5 إلى 23 حزيران المقبل، على أن تنظر الجمعية العامة في تقرير اللجنة وتوصياتها في دورتها الرئيسية، وتتخذ القرار بهذا الشأن في شهر تشرين الأول المقبل.
 
وهذا يعني أنّه إذا قرّر لبنان عدم الدفع، على ما أشارت الاوساط، بهدف أن يُعفى من تسديد المبلغ، كونه بلدا يمرّ في ظروف إقتصادية ومالية صعبة جدّاً، ويتحمّل أعباء النزوح السوري التي تفوق إمكاناته المتوافرة، فإنّ أمر البتّ باحتفاظه بحقّه في التصويت في الجمعية العامّة في الأمم المتحدة أو بفقدانه هذا الحقّ، لن يحصل قبل تشرين الأول المقبل. ولهذا الأمر تبعات عدّة، من شأنها شلّ عمل البعثة اللبنانية الدائمة في نيويورك، والتأثير على عملها ومكانتها وثقلها بين البعثات الأخرى، وعلى تأثيرها في المحفل الدولي. كذلك فإنّ لبنان سيفقد حقّه في عملية تبادل المواقف والأصوات والدعم على مختلف الأصعدة لمدّة أكثر من 9 أشهر (من 17 كانون الثاني الفائت حتى نهاية تشرين الأول المقبل). فعلى سبيل المثال، حين تدلي 160 دولة بصوتها دعماً لمشروع قرار يُقدّمه لبنان حول البقعة النفطية، أو حين تنتخب 160 دولة مرشح لبناني لمنصبِ مرموق في الأمم المتحدة وأجهزتها المتخصّصة، لا بدّ للبنان أن يُبادلها الدعم في مبادراتها، سيما إذا كانت تنسجم مع مصالحه وأولوياته الوطنية، وإذا كان حقّ التصويت معلّقاً، فهو لن يتمكّن من القيام بعملية التبادل هذه، حتى تقرّر الجمعية أمر استعادته لحقّ التصويت، أو ضرورة أن يقوم بتسديد المبلغ المطلوب. علماً بأنّه يُمكن لأي دولة عضو في الأمم المتحدة أن تتكفّل بتسديد المستحقّات المالية المترتّبة على لبنان، على غرار ما فعلت السعودية حين دفعت عن اليمن لكي لا يفقد حقّه في التصويت، إلّا أنّ هذا الأمر قد يُزعزع ثقة المجتمع الدولي به أكثر فأكثر.
 
وشدّدت الأوساط عينها على أنّ قرار الجمعية العامة بالسماح للدولة العضو بالتصويت ليست تلقائية، وتعتمد على تقييم دقيق للأسباب الموجبة التي يترتب على الدولة المعنية تقديمها بصورة معلّلة ودلائل حسّية، تبرز من خلالها عدم القدرة الجديّة على تسديد المبلغ. وفي حالة لبنان، لا بدّ له من أن يُقدّم أسباباً مقنعة حول معاناته من أزمة مالية شديدة، لكي لا يفقد حقّه النهائي في التصويت، بعد أن خسره للمرّة الثانية خلال ثلاث سنوات بسبب عدم دفع المساهمات في ميزانية تشغيل الأمم المتحدة. فبموجب قواعد الأمم المتحدة، تفقد أي دولة حقّ التصويت في الجمعية العامة إذا تأخرت في دفع مبلغ يعادل أو يتجاوز المساهمات المستحقة عن العامين الماضيين، ما لم تُظهر دليلاً على أنّ عدم القدرة على الدفع كان خارجاً عن إرادتها. فما هو هذا الدليل الذي سيُقدّمه لبنان الى الأمم المتحدة لإعفائه من الدفع؟!