أزمات متتالية تضرب اللبنانيين.. الصدمات اليومية الدائمة لا مفرّ منها في وطن يترنّح على وقع دولار متفلّت لا يعرف الاستقرار ولا يكلّ عن الارتفاع. هنا، المواطن يتخبّط بالهموم والمشاكل. لا شيء على حاله وأبسط المتطلبات تستدعي مجهوداً هائلاً للحصول عليها. لا مفاجأة إذاً أن ترتفع نسب الانتحار في ظل ظروف أقلّ ما يقال عنها “مُهلكة” بل قاتلة.
Advertisement
تحدّثوا.. تخطّوا المحرّمات!يعاني اللبنانيون من ضغوط كبيرة أضرّت بصحتهم النفسية وأدخلتهم في حالة اكتئاب أوصلت البعض منهم الى إنهاء حياته، هذا ما تؤكّده الاختصاصية بعلم النفس كاندي أبو سرحال، مشيرة إلى أن الارتفاع الجنوني بأسعار المهدّئات ومضادات الاكتئاب أدى الى انقطاع البعض عن تناول عقاقيره وحصل بالتالي ما كان متوقعاً وهو الانتكاس أو الـrelapse والذي يدفع العديد ممن يعاني اضطراباً نفسيّاً الى معاودة التفكير بالانتحار أو حتى الإقدام عليه.
أبو سرحال تلفت الى أن الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية في لبنان لا يزال موضع تساؤل فهو للأسف يعتبر في مجتمعنا من المحرّمات الثقافية (taboo)، غير أن الأجيال الجديدة تتحدث بطلاقة أكثر عما يزعجها وتبدي انفتاحاً لمشاطرة الخبرات والتجارب مهما بلغت صعوبتها.
وتكمل حديثها لـ”لبنان 24″، شارحة أن النزاعات في البلد وعدم الاستقرار السياسية، اضافة الى الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، زادت في حالات القلق والاكتئاب والرهاب لدى اللبنانيين. إلّا أن بين تلقي علاجاً أو متابعة للصحة النفسية وبين تأمين لقمة العيش و”ضروريات” الحياة اليومية، غالباً ما يبدّي المرء “القوت” على أي شيء آخر. فكيف الحال في بلد لا يعتبر الصحة النفسية كالصحة الجسدية ولا يرى في المرض النفسي خطراً مشابهاً لأي مرض صحّيّ آخر؟!
أبو سرحال تستطرد قائلة: “الأزمة أنهكت وأجهزت على كل القطاعات، فالعديد من المعالجين النفسيين هاجروا، والحاجة الى مساعدة نفسية تتزايد مع استمرار تأزّم الأوضاع”، مشيرة الى وجود جمعيّات كـ”embrace” و”إدراك” (idraac) تمدّ يد العون لكل من استنجد بها وطلب المساعدة.
تخطي الاكتئاب ممكن.. إليكم هذه النصائحالصحّة النفسيّة لا تقلّ اهتماماً وشأناً عن الصحة الجسديّة، لا تستخفّوا باضطراباتكم.. فمن قال إن الاكتئاب ليس قاتلاً كذب عليكم! الاكتئاب والقلق يهددان الحياة والدليل ما نشهده من ارتفاع في نسبة الانتحار وانتشار هذه الظاهرة لدى فئات عمرية مختلفة! ولكن، للأمراض النفسية علاج أيضاً وقد تكون أبسط وأقلّ كلفة مما يخطر في أذهانكم.
صحيح أن بعض الحالات تتطلّب متابعة وتستدعي تناول عقاقير، غير أن المعظم يمكن أن يتخطّى الاكتئاب ويخّفف من قلقه وحدّة توتّره نتيجة الوضع الراهن، بتغيير صغير في عاداته اليومية.
أبو سرحال التي ترفض الخوض بأسماء عقاقير ومضادات للاكتئاب لاعتبارها أن الحالات تختلف ولا يمكن الاعتماد على دواء شائع بلا العودة لاستشارة مختصّين، تقول إن أهمّ ما يمكن للمرء القيام به للشعور بتحسّن في حالته النفسية هو إضافة تمارين رياضية الى روتينه اليومي، إذ أنها ترتفع نسبة هورمون السيروتونين في الجسم أو ما يعرف أيضاً بهورمون السعادة.
القيام بما تهوون والتواجد في أماكن تحبونها، هي إحدى الطرق لتجاوز المشاعر السيئة. فبالنسبة لأبو سرحال، لا يمكن حصر ما يجب على الفرد اعتماده للشعور بتحسّن بتصرف واحد، فمثلا من يحب الطبيعة عليه القيام بالتنزه بها وتنشّق النسيم في كل مرة يشعر بالضيق، ومن كان يحب السير على الشاطئ فليقم بذلك. وتضيف: “للجلوس على انفراد أهمية أيضاً، لأننا بحاجة لوقت نمضيه على انفراد مع أنفسنا لنكتشف ما نريد”.
وتتابع: “التواجد مع الأصدقاء وتبادل أطراف الحديث معهم يفيد جدّاً، كما الاستماع الى الموسيقى، ممارسة اليوغا لمن يحبّ ذلك”.
إملأوا نهاركم بأمور تحبّون القيام بها.. أمور تحسنونها، تشعركم بالفرح ولو لوقت قليل. من المهم التركيز على اللحظة التي نعيشها في آنيتها، وفقاً للاختصاصية بعلم النفس. لا تستخفوا بأبسط الأشياء التي تعيد البسمة الى وجهكم! قد تكون لقاءً، كتاباً، نزهة أو حتى جلوساً في قاعة هادئة.
لا تنسوا التعبير عمّا يزعجكم، هذا ما تشدّد عليه أبو سرحال. إن لم تتمكنّوا من البوح لأحد بسرّكم المرهق، اكتبوه.. أخرجوا ما بداخلكم، عددوا ما يثقلكم على ورقة بيضاء واحرقوها إن شئتم. المهم أن تخرجوا الطاقة السلبية من نفوسكم وأن تضعوا أمامكم إيجابيّات، أشياء صغيرة تفرحكم حتى لو كانت رائحة الزهور في الربيع.