كلام مسيحي في عيد القيامة

9 أبريل 2023
كلام مسيحي في عيد القيامة

أذكر عندما كنت صغيرًا، وكان والدي لا يزال في عزّ شبابه، أن شخصًا من عائلة قصاص، وكان يُدعى أبو علي من بلدة يونين البقاعية، كان يزورنا مع زوجته مرّة في السنة. وفيها كان والدي يستقبل ضيفه وكأنه واحد من أفراد عائلته، وكان يناديه بين الفينة والأخرى بـ “ابن العم”… أهلا بـ “ابن العم”؛ نورتنا يا بـ “ابن العم”؛ وإلى ما هنالك من تعابير التأهيل والترحيب والمودّة. وهذه المرّة التي كان يزورنا فيها أبو علي كانت تُصادف في عيد الكبير، أي عيد الفصح، إذ كان “ابن العم” يشاركنا في “تكسير البيض”. وكانت الضيافة تشمل كعك العيد والمعمول. ولكن بعد وفاة الوالد لم نعد نعرف شيئًا عن “ابن العم”، ولم نعد نسمع عن أخباره. 

المغزى من هذه الذكريات تسليط الضوء على العادات والتقاليد، التي كان يتشارك فيها أهلنا التهاني بالأعياد، وهي تكاد تندثر وتزول من قاموس هذه الأيام، التي استبدل فيها تبادل التهاني وجهًا لوجه بـ “المعايدة الفايسبوكية”، التي تخلو من حرارة اللقاء والتلاقي. كانت تلك الأيام أجمل. وكان في هذه اللقاءات ما يبعث على الأمل بيوم جديد يحمل معه تباشير الخير وتجديد الوعود. كانت لقاءات بريئة ومن دون خلفيات. كانت صادقة ومعبّرة. أمّا لقاءات اليوم الافتراضية فهي لقاءات باردة وناشفة وخالية من العاطفة ومجرّدة من أي شعور ينتج عادة عن اللقاء المباشر، وعند تلاقي العين بالعين. 
في بعض القرى المختلطة لا يزال بعض العادات والتقاليد ساريًا، حيث نرى كثيرين من المسيحيين يعايدون أبناء بلدتهم المسلمين في عيدي الفطر السعيد والأضحى المبارك، وكذلك يفعل المسلمون في عيدي الميلاد والفصح المجيدين. وعلى رغم ندرتها فإن ما تحمله هذه العادات من معانٍ إيمانية تكفي لإبقاء شعلة الأمل بغد أفضل متقدة، مع أن ما نشهده هذه الأيام من حالات تعصّب، وإن كانت تبدو للبعض دون ذات أهمية في المسار الوطني القائم على العيش المشترك، وعمره من عمر “لبنان الكبير”، فإن وتيرتها آخذة في التنامي. وهذا أخطر ما يمكن أن يواجهه لبنان على رغم ضخامة المشاكل الكثيرة التي يعيشها اللبنانيون في يومياتهم الحياتية. 
وفي مناسبة عيد الفصح لدى المسيحيين، الذين يتبعون التقويم الغربي، نجد من الضروري والواجب أن يُقال الكلام، الذي يصلح لأن يُقال في كل مكان وزمان، هو مستوحىّ في شكل استثنائي من مشهدية “خلوة بيت عنيا”، التي جمعت العدد الأكبر من النواب المسيحيين، وكذلك مشهدية الصلاة في يوم الجمعة العظيمة في جامعة الروح القدس في الكسليك، حيث شارك فيها ثلاثة رؤساء جمهورية سابقون وعدد كبير من النواب والوزراء المسيحيون. 
في هاتين المشهديتين لم تكن السياسة حاضرة، بل صلاة وابتهال واستلهام. فأي كلام غير كلام الانجيل لم يكن له مكان. وماذا قيل في هذين اليومين؟ أنتم ملح الأرض. أنتم نور العالم. أنتم تلك الخميرة الصغيرة التي تخمّر عجنة كبيرة. أمّا إذا كان هذا الملح فاسدًا، وتلك الخميرة منتهية الصلاحية، وذاك النور موضوعًا تحت مكيال، فلا شيء يُرجى من هذا الملح وذاك النور وتلك الخميرة. وإذا كان الأخ لا يحب أخاه القريب منه فكيف يُطلب منه أن يحب الغريب البعيد عنه. “أحبوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم”. هذا الكلام سمعه كثيرا في هذه الأيام المباركة النواب والمسؤولون المسيحيون، وهو كلام قاله يسوع لتلاميذه منذ الفين وثلاثة وعشرين سنة، وهو لا يزال يقوله اليوم. و”بهذا يعرفون أنكم تلاميذي”.