لماذا لا يوحدّ مسيحيو لبنان عيد القيامة؟

16 أبريل 2023
لماذا لا يوحدّ مسيحيو لبنان عيد القيامة؟


“ليكونوا واحداً كما نحن واحد” ( يوحنا ١٧ : ٢٢ ).  
بهذه الصلاة أنهى الرب يسوع حياته على الأرض قبل أن يُسلم إلى الصلب، طالبًا من أبيه السماوي أن يجعل، الذين سيحملون اسمه لاحقًا، واحدًا. 

كان يعرف أنهم لن يكونوا واحدًا، لذلك تصبّب من جبينه عرق ودمّ. كان يعرف أن المسيحيين سينقسمون على بعضهم البعض. كان يعرف أن الذين أحبهم حتى الفداء سيحتفلون بذكرى موته وقيامته من بين الأموات أكثر من مرّة في السنة الواحدة. كان يعرف أنهم سيختلفون على التفاصيل، وسيهملون الجوهر.  
الأسبوع الماضي احتفل المسيحيون، الذين يتبعون التقويم الغربي، التقويم الغريغوري، بعيد قيامة الرب. واليوم يحتفل المسيحيون الذين يتبعون التقويم الشرقي، التقويم اليولياني، بعيد الفصح المجيد بعد السبت، الذي يفيض فيه النور من كنيسة القيامة في القدس. 
ومن دون الغوص في تفاصيل الخلاف التاريخي حول التفسيرات، فإن ما يهمّنا نحن المسيحيين في لبنان هو أن يكون عيد الفصح واحدًا. ولماذا نحدّد مسيحيي لبنان دون سائر المسيحيين، فلأن حيث هم موجودون لا اختلاط عضويًا بين أبناء الديانتين المسيحية والإسلامية.  
فالمسلم اللبناني لا يميزّ بين من هو مسيحي غربي وبين من هو مسيحي شرقي. فالمسيحي بالنسبة إليه مسيحي، بغض النظر عن التقويم الذي يتبعه. الأمر لا يعنيه. ولكن ما يعنيه هو أنه يصعب عليه تفهّم ما يختلف حوله هؤلاء المسيحيون، الذين يؤمنون إيمانًا واحدًا بأن المسيح هو فاديهم وفادي البشرية جمعاء. فلماذا تذكّر المسيحيون الغربيون الأسبوع الماضي في يوم الجمعة العظيمة الآم المسيح، الذي قام من بين الأموات في اليوم الثالث، ولماذا يعيد المسيحيون الشرقيون المراسم الاحتفالية هذا الأسبوع، ولماذا لا يوحدّون هذا اليوم في يوم واحد؟ 
أسئلة منطقية يسألها كل مسلم يعيش جنبًا إلى جنب مع مارون ومتري. لكن الإجابة عن هذا التساؤل تبقى غامضة، لأن كلًا من مارون ومتري لا يعرفون كيف يجيبون بمنطق عن سؤال منطقي وبديهي. 
وحدهم أهالي بلدة ضهور الشوير، وفيها موارنة وكاثوليك وأرثوذكس، استطاعوا أن يجيبوا عن هذا التساؤل بالممارسة، وذلك حين اتفقوا على توحيد الاحتفال بعيد الفصح بطقوس وليتورجيات مشتركة. لم يسألوا رأي أحد من “الأحبار”. لم يستشيروا أحدًا. اجتمعوا في ما بينهم وقرروا توحيد الاحتفال بالعيد.  حلم التوحيد فتوحيد العيد يبقى حلم جميع المسيحيين، الذين لا تعنيهم كثيرًا الخلافات التاريخية، إذ انطلقت حركة بطريركية من الشرق، في محاولة لتثبيت تاريخ العيد، بغض النظر عن الحسابين اليولياني والغريغوري. وكان نتيجتها اقتراح خطي اعدّه بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني، ووزعه على مختلف الكنائس، ويقضي بأن تحتفل كل الكنائس بالعيد في الاحد الثالث من نيسان.  في أيار من سنة 2013 التقى بابا الأقباط البابا فرنسيس في الفاتيكان، في اول زيارة لبابا الاقباط منذ 1973. وفي أيار 2014، وجّه اليه رسالة يطلب فيها أن يعمل على تحقيق مشروع تثبيت تاريخ العيد وتوحيده.  وقد التقت جهوده مع مساعي بطاركة شرق آخرين، لا سيما الرئيس الاعلى لكنيسة السريان الارثوذكس البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني الذي تواصل أكثر من مرة مع البابا فرنسيس لهذه الغاية. كذلك، بادر البطريرك غريغوريوس الثالث لحام الى كتابة رسالة الى البابا وقّعها كل البطاركة الكاثوليك، وطالبوا فيها بتثبيت تاريخ العيد وتوحيده.  وقد جاء جواب البابا فرنسيس ايجابيًا، بإعلانه في 12 حزيران 2015: “لقد توصلنا الى اتفاق”، بما اعتُبر موقف كاثوليكي مهم للغاية. الى جانب موافقة الفاتيكان على الاقتراح القبطي، وافقت ايضا الكنائس الانجيلية. كذلك، رحّب رئيس اساقفة كانتربري جاستن ويلبي الذي اعتبر ان هناك “فرصة واعدة” مؤداها ان الاقتراح “سيؤتي ثماره”. وتوقع ان يدخل حيز التنفيذ خلال فترة زمنية تراوح بين 5 و10 سنوات. في الشرق، لقي الاقتراح تأييدا، لا سيما من مختلف البطاركة الكاثوليك، منهم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي اعتبره “خطوة متقدمة”. ومن المرحبين ايضا، بطريرك السريان الارثوذكس افرام الثاني الذي زار البابا فرنسيس في 20 حزيران 2015 في الفاتيكان، وأعرب عن رغبة كنيسته في التوصل إلى اتفاق على الاحتفال بعيد الفصح في تاريخ مشترك.     وعلى رغم الترحيب الواسع بالاقتراح القبطي، يبقى الجواب الأرثوذكسي غير محسوم. وقد يكون السبب الرئيسي عدم توافق الكنائس الأرثوذكسية على رأي واحد وموحد.