بين تشريع الضرورة في 2015 وتشريع الضرورة في 2023 : الدستور غب الطلب

19 أبريل 2023
بين تشريع الضرورة في 2015 وتشريع الضرورة في 2023 : الدستور غب الطلب


ليس الدستور من يحكم عمل المجلس النيابي إنما التوازنات السياسية التي غالبا ما لعبت دورا في تعطيل الجلسات التشريعية تارة تحت حجة الميثاقية وتارة اخرى تحت حجة انه لا يجوز التشريع في ظل الشغور في سدة الرئاسة، رغم ان وقائع كثيرة حصلت ثبتت ان الدستور غب الطلب عند القوى السياسية التي تعطل التشريع اليوم بيد انها شاركت في جلسات تشريع الضرورة في العام 2015 إبان الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان التي انتهت ولايته في أيار العام 2014، في حين ان الرئيس السابق ميشال عون انتخب في تشرين الأول من العام 2016.

المزايدات الطائفية تتحكم بعمل المؤسسات الدستورية وجلساتها واجتماعاتها. فالبرلمان أقر في الجلسة التي عقدها خلال تشرين الثاني 2015 وعرفت بجلسة تشريع الضرورة، قوانين مالية تتصل بالتزامات لبنان تجاه المؤسسات الدولية أهمها ما يتعلق بالتصريح عن نقل الأموال عبر الحدود وتبادل المعلومات الضريبية ومكافحة غسل الاموال وتجفيف منابع الإرهاب. يومذاك، ورغم الصراعات السياسية الحادة شارك تكتل لبنان القوي(التغيير والاصلاح) ونواب القوات والكتائب في الجلسة من دون أية مقاطعة.التاريخ اليوم يعيد نفسه، المجتمع الدولي يفرض على لبنان إقرار مشاريع القوانين الإصلاحية التي يطلبها صندوق النقد الدولي كشرط اساسي لتوقيع الاتفاق، بيد أن المشهد السياسي اختلف بفعل الحسابات المسيحية التي جعلت التيار الوطني الحر يقاطع جلسات تشريع الضرورة مبررا ذلك بأسباب لم يحسب لها اي حساب في العام 2015، ومرد ذلك بحسب مصادر نيابية في 8 آذار، أن التيار البرتقالي كان يحاول في تلك المرحلة مسايرة القوى السياسية كافة في الداخل ولا يريد أن يخلق شرخا مع الخارج، لا سيما وانه كان يعمل على تسويق العماد عون للرئاسة محليا ودوليا ولا يرغب بقطع شعرة معاوية مع احد. أما اليوم فالوضع مختلف، انتهى عهد الجنرال عون. وورقة النائب جبران باسيل محروقة سياسيا، ولا يملك الاخير أية حظوظ رئاسية في الداخل أو في الخارج، الأمر الذي يفرض عليه أن يحاكي الشارع المسيحي خوفا من خسارته أمام الشعارات القواتية والتي يمكن وصفها في الكثير من الأحيان بالمزيفة او غير الواقعية، خصوصا وأن نواب القوات شاركوا بدورهم في جلسة تشريع الضرورة في العام 2015 وفي جلسة التمديد للمجلس النيابي في تشرين الثاني من العام 2014 وأعلنوا تأييدهم لذلك، على عكس ما فعلوا اليوم حيث قاطعوا جلسة التمديد للمجالس البلدية والاختيارية بذريعة الفراغ الرئاسي، علما أن التمديد للبرلمان في العام 2014 حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان.خلال جلسة تمديد صلاحيات المجالس البلدية والاختيارية لمدة أقصاها سنة واحدة، قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي متوجها الى نواب لبنان القوي من دون ان يسميهم: “تحضرون اليوم تحت عنوان تشريع الضرورة فيما الأكثر ضرورة هو النظر بالقوانين الاصلاحية الخاصة بالمصارف، بدل ترك أموال اللبنانيين محتجزة في المصارف”. وبحسب مصادر سياسية ونيابية، فإن إشارة ميقاتي كانت في محلها لا سيما وأن لا حدث استثنائيا يتفوق على الأزمة المالية والاقتصادية التي تستدعي خطة طوارئ تشريعية لإقرار اقتراحات ومشاريع القوانين الإصلاحية والتي تشكل مدخلا لمعالجة الواقع الراهن خاصة وأن رسالة صندوق النقد الأخيرة كانت واضحة في هذا الإطار.لا احد يعلم مصير مشاريع القوانين الإصلاحية وأين أصبحت وكيف السبيل لإقرارها. فمنذ بداية العام 2022 تصول وتجول وتدور وكأن الأمور أصبحت في خبر كان. لكن مصادر وزارية تقول إن معظم مشاريع القوانين الإصلاحية تم إقرارها ورفعها للمجلس النيابي على أن تأخذ مسارها الطبيعي في الدرس في اللجان المعنية ومنها إلى اللجان المشتركة ثم إلى الهيئة العامة للإقرار. في حين أن بعض النواب يتذرع بأن المشاريع المذكورة لم تحول لهم ليتم درسها في اللجان النيابية .أين تكمن الحقيقة ؟يقول الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة لـ”لبنان 24″ أن الحكومة في بيانها الوزاري قد تعهدت بإقرار مجموعة من القوانين الإصلاحية وتعهدت بأن ترفعها للمجلس النيابي في فترة سنة واحدة وقد فعلت وهذه الاصلاحات ضرورية واساسية لأجل النهوض والخروج من دائرة الإنهيار وهي:1- مشروع قانون إستقلالية القضاء الذي يقبع في أدراج المجلس النيابي مع الاشارة الى أن التعيينات القضائية ما زالت عالقة منذ سنتين بعد إمتناع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون عن توقيعها.2- مشروع قانون هيكلة المصارف وإصلاح عمل القطاع المصرفي أعدته الحكومة وقدمته من خلال 3 نواب و لم يدرج ضمن جدول أعمال اللجان النيابية، سواء كانت لجنة المال والموازنة أو اللجان الأخرى المعنية.3- خطة النهوض المالي أقرتها الحكومة ونفى المجلس النيابي استلامها علما ان اكثر من مصدر نيابي يؤكد ان الخطة وصلت الى البرلمان ووزعت على النواب.4- مشروع قانون “الكابيتال كونترول”الذي أقرته الحكومة واستبدله المجلس النيابي بمشاريع قوانين معجلة مرفوعة من قبل نواب في الكتل السياسية وبقي أكثر من ثلاثة أشهر أمام اللجان النيابية المشتركة قبل إدخاله الى أدراج الحفظ والصون في المجلس .5 – مشروع قانون تعديل قانون السرية المصرفية الذي رفعته الحكومة وأقره المجلس النيابي وبات بحاجة الى مراسيم تطبيقية لتنفيذه.الأكيد أن ثمة كتل سياسية في لبنان تبدع في إضاعة مسار الأمور وتضيع الفرص وإنتهاك القوانين والإجتهاد في تطبيقها .فكيف الحال بالنسبة لمشاريع القوانين الإصلاحية التي بات واضحاً أن الطبقة السياسية غير راغبة بإقرارها ولا بتنفيذها، في حين ان المطلوب ، بحسب مصادر نيابية إقرار خطة التعافي المالي مع تشريعاتها ووضعها موضع التنفيذ، وإحاطة هذه الخطة بعد ترشيدها بإحتضان وطني يحصن البعد السيادي في الخطة، ويعيد للمواطنين ودائعهم، ويحرر مجددا نمو الاقتصاد الوطني.