هل تذكرون التمديد برفع الأصابع وقوفًا؟

20 أبريل 2023
هل تذكرون التمديد برفع الأصابع وقوفًا؟


عندما كان السوري وصيًّا على أمور اللبنانيين وتطبيق ما يناسب وضعيته من اتفاق الطائف كان رئيس جمهورية لبنان يُنتخب، عفوًا يُعيّن، بالتزكية، أو تمدّد الولاية الرئاسية لثلاث سنوات جديدة برفع الأيدي ووقوفًا. وبعد خروجه عام 2005، وعلى أثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي أحدث اغتياله زلزالًا ليس في لبنان فحسب، بل في المنطقة بأسرها، أصبح انتخاب رئيس الجمهورية مسألة فيها نظر، أو بالأحرى مسألة يجب إعادة النظر فيها. وهذا ما يُراد للبنانيين أن يعتادوا عليه لألف سبب وسبب، لأن رئاسة الجمهورية هي رمز وحدة الوطن، بمؤسساته وشعبه وجيشه، وهي الضامنة لانتظام عمل المؤسسات الدستورية الأخرى، التشريعي منها والتنفيذي والقضائي والإداري والعسكري. 

Advertisement

ولأن لهذه الرئاسة هذا الدور المهم جرت محاولات وضع اليد عليها، سواء من قِبَل السوري عندما كان فارضًا وصايته على كل شبر من الأراضي اللبنانية، أو من خلال فرض مرشح ينتمي إلى جهة سياسية معينة على جميع اللبنانيين، وإن كان هذا الفرض يتخذ من ديمقراطية الانتخاب ستارًا واهيًا قد أثبتت التجارب بالوقائع الحسّية والملموسة أن البلاد لا يمكن إدارتها كما يجب بهكذا نوع من الرئاسات. والدليل ما نتج من مفاعيل كارثية على الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وحتى السياسي، بفعل نجاح خط “الممانعة” في إيصال الرئيس السابق ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، مع ما تركه هذا الخيار، الذي شارك فيه الجميع تقريبًا، باستثناء قّلة، من انعكاسات كارثية على كل الأصعدة. 
وعلى رغم انتظام مختلف القوى الرئيسية بالسير في عملية انتخاب عون من خلال تسويات جانبية متناقضة، من حيث التوجهات والمقاصد، فإن العهد السابق، والذي أطلق عليه اسم “العهد القوي”، قضى معظم الوقت من دون حكومات أصيلة. وما شهدته آخر أيامه سيذكره التاريخ. وقد يكون مردّ بعض ما يعيشه لبنان اليوم من كوارث ومآسٍ هو نتيجة السياسات الخاطئة، التي انتُهجت على مدى ست سنوات، وبالأخصّ في آخر ستة أشهر، حيث تُركت البلاد من دون حكومة كاملة المواصفات، على رغم ما قدّمه الرئيس نجيب ميقاتي من صيغ وجد فيها المراقبون آنذاك ملاذًا آمنا للعبور من ضفّة المماحكات و”الحرتقات” إلى ضفّة أكثر أمانًا وأكثر استقرارًا، مع العلم أنه كان يدرك أن البلاد مقبلة على ما عليه حالها اليوم، وأن لا انتخابات رئاسية في المهل الدستورية. ولذلك كان همّه أن تتولى حكومة أصيلة متوافق عليها بما يشبه الاجماع مهمة تسيير شؤون البلاد في غياب التوافق على رئيس إنقاذي حقيقي وفعلي. 
يقول بعض الذين أكل الدهر عليهم وشرب لكثرة ما خبروه من تجارب سياسية عمرها من عمر الزمن (تشبيه مجازي) إن العقدة ليست بعدم الاتفاق على اجراء انتخابات رئاسية ديمقراطية، وليست بطريقة تشكيل الحكومات المتعاقبة، وليست أيضًا بانتظام العمل التشريعي وفق الأصول البرلمانية، وبالطبع ليست باستقلالية القضاء أو عدمه، وهي حتمًا ليست محصورة بالثنائيات المتعدّدة الأوجه والمضامين والمضامير، بل هي أزمة نظام لا يشبه أي نظام آخر في العالم، لا من حيث طريقة إدارة الدولة ومؤسساتها، ولا من حيث التركيبة السياسية القائمة على الطائفية والمذهبية، ولا من حيث فصل السلطات وتكاملها، الذي ينصّ عليه الدستور، الذي أصبح بالنسبة إلى كثيرين مجرد وجهة نظر ليس إلاّ. فالمشكلة الأساسية هي في هذه التركيبة الهجينة، التي تحتاج بين الحين والآخر إلى تدخل خارجي لإجراء بعض “الروتشة” عليها، لتعود الخلافات إلى سابق عهدها  وإلى بداياتها.