لا أحد يمكنه الجزم بأن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان طلب من “حزب الله” النزول عن شجرة ترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية. كما لا يستطيع أحد تأكيد ما إذا كان الرجل قد طلب من حليفه اللبناني “تهدئة” الجبهة مع المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإنه من الصعب جدًّا معرفة ردّة فعل “الحزب”، سواء أكانت هذه المعلومات صحيحة أو أنها تُطلق من قِبَل جهات معينة لذرّ الرماد في العيون.
ما يمكن تأكيده، استنادًا إلى قراءة موضوعية لمجريات الأحداث الأخيرة، أن ما بعد اتفاق بكين لن يكون كما قبله، وإن لم يحن بعد موعد طرح الملف اللبناني من زاويته الرئاسية على بساط البحث الجدّي في اللقاءات المشتركة بين الجانبين السعودي والإيراني، وذلك بعد أن تكون اللقاءات التشاورية لممثلي الدول الخمس قد استكملت “أبحاثها الرئاسية” طبقًا لما يمكن أن يستجدّ من معطيات جديدة على خط الرياض – طهران.
فهذه الدول المعنية بالوضع اللبناني، إمّا مباشرة أو بالواسطة، كان ينقصها لتكتمل تفاصيل لوحتها الموزاييكية أن تنضم إليها إيران باعتبار أن لها تأثيرًا كبيرًا في الحياة السياسية اللبنانية، من خلال “حزب الله”، الذي يعتقد كثيرون أنه هو الذي يقف وراء عدم إنهاء حال الفراغ، تمامًا كما فعل في العام 2014 عندما أصرّ على إيصال مرشحه العماد ميشال عون إلى بعبدا، فقيل إنه عطّل البلد ومؤسساته الدستورية طيلة سنتين ونصف السنة حتى كان له في النهاية ما أراد. ولأن لإيران هذا التأثير الفاعل في لبنان وعلى الأخصّ على مستوى الملف الرئاسي يمكن رسم الصورة، التي يمكن أن تكون عليها المرحلة المقبلة، التي ستشهد تفاهمًا سعودّيًا – إيرانيًا على تفاصيل عودة الحياة إلى طبيعتها في اليمن، ولو تدريجيًا.
وفي الاعتقاد أنه ما أن تنتهي المحادثات الثنائية القائمة على قدم وساق بين الرياض وطهران في ما خصّ الملف اليمني ستنتقل إلى فتح أكثر من ملف، ومن أهمّها الوضع العراقي وأهمية إعادة سوريا إلى حضن الشرعية العربية، وأخيرًا وليس آخرًا فتح الملف اللبناني، من حيث أهمية وضعية لبنان في المنطقة، ومدى أهمية ترسيخ الاستقرار الداخلي فيه، لما له من تأثير كبير على استقرار المنطقة في شكل عام، وذلك بعد أن تكون قضية النزوح السوري قد بدأت تتبلور ملامح إيجاد حلّ لها. ويُستشّف من زيارة عبد اللهيان لبيروت، التي سبقت زيارة الرئيس الإيراني لسوريا، أن الخارج على تعدّد اتجاهاته لا يمكنه أن يقدّم الحلّ إلى اللبنانيين ما لم يكن بينهم الحدّ الأدنى من التوافق على المخارج، التي من خلالها يمكن نقل لبنان من ضفّة إلى أخرى. وهذا التوافق لن يكون بالضرورة توافقًا بـ “الجملة”، أي بمعنى ان يتوحدّ اللبنانيون حول موقف واحد موحد، أو حول مرشح واحد، لأن هذا الأمر هو من رابع المستحيلات، بل إن دقة الظروف تفرض ان تتوحدّ المعارضة بكل تلاوينها واتجاهاتها السياسية في مواجهة “وحدة” القوى “الممانعة”. وهذا الأمر ليس بمستحيل، خصوصًا إذا تمكّن كل من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائب غسان سكاف من النجاح في مهمتهما الهادفة إلى توافق أحزاب “المعارضة” على اسم واحد من الأسماء الرئاسية المطروحة غير المرشح النائب ميشال معوض.فإذا تمّ التوافق على اسم واحد لـ “المعارضة” مقابل مرشح قوى “الممانعة”، وهو رئيس تيار “المردة”، فإن الاحتكام إلى الديمقراطية الحقيقية يصبح أمرًا واجبًا على جميع نواب الأمّة، والذي لا مفرّ منه في نهاية المطاف. وهذا ما جدّدت بكركي الدعوة إليه.