كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: اختيار الوزير الفرنسي السابق جان إيف لودريان موفداً خاصاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان خبر في حدّ ذاته. فمجرّد تعيين سياسي رفيع ومحنّك، يعني أنه أكثر من تعيين موفد رئاسي فرنسي، بل يعكس حسب المعلومات خوفاً فرنسياً على الوضع اللبناني.
وهو ليس موفداً رئاسياً ربطاً بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية والانقسام الحالي بين المرشحين جهاد أزعور وسليمان فرنجية، ولا بمصير جلسة الأربعاء المقبل. ورغم مواقفه المعروفة من الطبقة السياسية وضرورة الإصلاحات، لا يأتي بخلفية الانحياز إلى فريق دون آخر، بل يحمل ملفاً ملتهباً يحفظه بدقّة منذ سنوات. وأهميته أنه يعرف جيداً كل من يفترض أن يتعامل معهم، ولا سيما أنه من الجيل السياسي الفرنسي الذي لا تزال تربطه علاقة وجدانية مع لبنان وصيغته السياسية، من دون إخفاء انتقاداته الحادة للسياسيين وشبكات الفساد في لبنان.
منذ أواخر آذار الفائت، ومع أول زيارة للموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي الذي شارك في اللقاء الخماسي إلى بيروت، بخلفية أميركية بحتٍ، استشعرت فرنسا محاولة لسحب البساط اللبناني من تحتها. ووصلتها رسائل واضحة بأن مساعيها تصطدم برفض مطلق لما يعدّه فريق الإليزيه في شأن الرئاسة اللبنانية. ولم يكن في قدرة باريس، بما تمثله من حضور دبلوماسي وسياسي، أن تسجل تراجعاً دراماتيكياً عن خطوات أثبتت فشلها. علماً أنه لا يمكن لأي إدارة أن تتحمل تبعات هذا التطور السلبي، فكيف الحال وإدارة ماكرون تواجه سيلاً من الانتقادات في سياستها الداخلية والخارجية. ولأن التراجع التكتيكي يحتاج إلى خطوة كبرى تغطّي الإرباك الذي وصل إلى حد مؤثر في السياسة الداخلية الفرنسية، والفشل الذي مُنيت به إدارة ماكرون لملف لبنان بدءاً من مرحلة ما بعد انفجار بيروت، اختير لودريان.
أتى تعيين لودريان موفداً رئاسياً، أوسع مدى من مهمة السفير بيار دوكان المحال على التقاعد. والأخير كان حصر مهمته بالملف الاقتصادي ومفاوضات صندوق النقد، ما يفترض أن يعطي الملف اللبناني إطاراً سياسياً واقتصادياً موسّعاً. ولودريان، الآتي من وزارتي الدفاع والخارجية اللتين تسلّمهما في أوقات سياسية مهمة لفرنسا، ويملك شبكة علاقات واسعة عربية ودولية، بينها خبراته في عقود الأسلحة وفي الحضور الدبلوماسي الفرنسي في المنطقة، مخوّل بأداء دور محوري في طرح اقتراحات لمعالجة الأزمة ككل. ومن الخطأ فرنسياً، التعامل مع هذه المهمة على أنها محصورة باتجاه رئاسي حصراً، بعدما ظهر أن العوامل التي استوجبت تعيينه دقيقة وحسّاسة ومتعددة الاتجاهات. ولأنه رافق محطات وخضات لبنانية، وتقاطعها إقليمياً ودولياً، من شأن مهمته أن تفتح الباب أمام مساحة أوسع لمعالجة الأزمة ككل. ومن غير المتوقّع أن يكون لودريان مهادناً، وهو معروف بحدّة مواقفه من دون مواربة، ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بمستقبل لبنان الذي يكرّر دوماً حرصه على خصوصيته وضرورة الحفاظ عليه.