لودريان في لبنان… لا حّلًا رئاسيًا سوى الخيار الثالث

20 يونيو 2023
لودريان في لبنان… لا حّلًا رئاسيًا سوى الخيار الثالث


هل مكتوب على اللبنانيين أن ينتظروا دائمًا الفرج من الخارج لكي يسيّروا أمورهم الداخلية، وهل عليهم دائمًا أن يُرهنوا قراراتهم الداخلية للخارج، أيًّا يكن هذا الخارج، الذي له بالطبع مصالح خاصة به غير المصلحة اللبنانية؟ 

 
فلهذا الخارج حسابات أخرى قد لا تتوافق في الأغلب مع الحسابات المحلية، على تعدّدها واختلافها. ولو كان اللبنانيون متفقين في الأساس على توحيد جدول الضرب مثلًا، ولو لم يكن الطرح والقسمة هما المسيطران في حساباتهما، ولو أنهم لا يستعملون سوى ما يجمع بينهم في حسابات الربح والخسارة لما كانوا مضّطرين لأن ينتظروا الحلول الخارجية، وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن الدول الخارجية ليست جمعيات خيرية، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تجتاح العالم بأسره.      
 
فبعد القمة السعودية – الفرنسية وزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لطهران تقف الأطراف السياسية على شرفة الانتظار لتستشفّ من خلال ما يتوافر لها من مناظير بعيدة المدى ما جرى بحثه في باريس وطهران في ما يتعلق بالملف اللبناني، وبدأت اتصالاتها، كل طرف على طريقته الخاصة وبوسائله المعتمدة في مثل هكذا حالات، لجسّ النبض، حتى قبل وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت غدا الأربعاء، في زيارة تستمر ليومين، يلتقي فيها عددًا من المسؤولين السياسيين، وسط تكتمّ عمّا دار في باريس وطهران في شأن الملف اللبناني، ووسط غموض قد يكون مقصودًا بالنسبة إلى أي مؤشّر يمكن أن يُستشّف منه بأن دور الحل في لبنان قد حان. 
 
وفي انتظار أن يحل ّلودريان ضيفًا على لبنان، وهو الذي يعرف ربما بعض التفاصيل اللبنانية أكثر من بعض المسؤولين، فإن الانقسام السياسي العمودي، الذي تكرّس في جلسة 14 حزيران، لا تزال مفاعيله تطفو على سطح الأزمة الرئاسية، خصوصًا أن كل فريق يحاول أن يدعم حظوظ مرشحه في الوقت الضائع، بحيث ينصّب الجهد حاليًا على كسب “رضا” النواب “الرماديين”، الذين صوتوا في جلسة “اللا غالب ولا مغلوب” إما لـ “لبنان الجديد” وإما للوزير السابق زياد بارود، وذلك في محاولة قد تكون الأخيرة لاستمالتهم وضمان أصواتهم “الرمادية” لتصبّ إمّا لمصلحة الوزير السابق سليمان فرنجية وإمّا لمصلحة الوزير السابق جهاد زعور، من دون أن يغفل أي من الطرفين إمكانية أن تمارس الدول المعنية بالأزمة الرئاسية نوعًا من “الضغط الإيجابي” على الجميع تمهيدًا لتسوية تقوم على أساس سحب كل من فريقي “المعارضة” و”الممانعة” مرشحهما، والذهاب إلى خيار ثالث بديل. 
فزيارة لودريان، وفق ما تردّد، تنقسم إلى شقّين: الأول يكون كمرحلة أولى “استماعية”، بمعنى أن الموفد الفرنسي سيكون مستمعًا أكثر منه متكلمًا، وذلك من أجل التأسيس لزيارة ثانية، قبل الانتقال إلى المرحلة العملية، حيث ستطرح فيها الحلول الممكنة، التي تستند في شقّها الرئاسي على عدّة مقومات تكون قد تجمّعت في تقاطع لعدّة معطيات خارجية ومحلية، تسهيلًا لإمكانية إنجاح أي طرح قد يكون نتيجة قناعات مشتركة بحيث “لا يفنى فيها الغنم ولا يموت ذئبها”. 
 
ويبقى سؤال محوري حول مدى استعداد كل من طرفي الصراع المحلي للتنازل لمصلحة الخيار الثالث، الذي يُعمل له خارجيًا، إضافة إلى مدى إمكانية تجاوبهما مع هذا المسعى، الذي يبدو متقدّمًا في الوقت الراهن على ما عداه، خصوصًا أن سقف كل من “المعارضة” و”الممانعة” قد تحدّد في جلسة “جس النبض”، والتي انتهت إلى تعادل سلبي.