حلّ ممكن لمواجهة عجز البرلمان.. الانتخابات المبكرة بين المنطق والواقع

21 يونيو 2023
حلّ ممكن لمواجهة عجز البرلمان.. الانتخابات المبكرة بين المنطق والواقع


 لم يكد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب يطلق “أرنب” الانتخابات النيابية المبكرة، في مواجهة “عجز” البرلمان عن انتخاب رئيس الجمهورية، بعد ثمانية أشهر من الشغور الذي أعقب انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، حتى بدأ “التصويب” عليها من كلّ حدب وصوب، بعدما فسّرها البعض “رسالة” من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا سيما أنّ الفكرة طُرِحت بعد لقاء جمعه ببو صعب.

Advertisement

 
ثمّة من قال إنّ كلام بو صعب انطوى على “رسالة ابتزاز” لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، من جانب “الثنائي الشيعي” الممتعض من خياراته “الرئاسية”، التي لا “يتقاطع” معه فيها نائب رئيس مجلس النواب، رغم انتمائه “المبدئي” إلى تكتل “لبنان القوي”، علمًا أنّ أيّ انتخابات اليوم من شأنه “تصغير” حجم كتلة باسيل، خصوصًا إذا خاضها من دون التحالف مع “حزب الله”، الذي أكسبه عددًا من النواب في انتخابات 2018.
 
وثمّة من اعتبر أنّ الفكرة تنطوي على محاولة من فريق “الثنائي” القفز إلى الأمام، للتغطية على دوره في “تعطيل” الاستحقاق الرئاسي، ورمي الكرة في ملعب الآخرين، بعدما تولى مهمة “تطيير نصاب” جلسة الانتخاب الأخيرة، بدل الذهاب إلى دورات مفتوحة كان يمكن أن تفضي إلى انتخاب رئيس. لكن، بين هذا الرأي وذاك، ما الخلفيات الحقيقيّة لفكرة بو صعب؟ وهل هي قابلة للتطبيق أساسًا على أرض الواقع، في ظلّ الظروف الحاليّة؟
 الفكرة “منطقية”؟
 
كثيرة هي الأسباب، “المنطقية” ربما، التي دفعت إلى التصويب على “فكرة” نائب رئيس مجلس النواب طرح الانتخابات المبكرة، ولو في وقت لاحق، من بينها أنّ الرجل هو عمليًا “عرّاب” تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، بسبب “الظروف القاهرة” التي تمنع إجراءها، من الأزمة الاقتصادية، والتمويل، إلى إضرابات الموظفين، ما يدفع إلى التساؤل جديًا، عن كيفية الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، في ظلّ الظروف نفسها.
 
لكنّ وجود أسباب “منطقية” تفضي إلى “تعذّر” إجراء الانتخابات المبكرة، إن جاز التعبير، لا يعني بالضرورة وفق العارفين أنّ الفكرة بحدّ ذاتها “غير منطقية”، بل قد تختزل بحدّ ذاتها “المنطق” لو كانت الظروف عاديّة، أو مثاليّة، لأنّها عمليًا من الحلول المُتاحة في حال “انسداد” الأفق أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وطالما أنّ مجلس النواب، بتركيبته الحالية، متقاعس وعاجز عن القيام بالحدّ الأدنى من واجباته.
 
ورغم أنّ الدستور لا ينصّ على حالات من هذا النوع، يمكن أن تفضي إلى “حلّ” مجلس النواب، ولو أنّ صيغة “تقصير الولاية” تبقى متاحة، تمامًا كبدعة “تمديدها” التي اعتُمِدت سابقًا، فإنّ العارفين يستدلّون في الإشارة إلى “منطقية” الفكرة بتجارب دول وأنظمة أخرى، اعتمدت هذه الطريقة في مواجهة أيّ تقاعس برلماني، ويبقى النموذج الإسرائيلي واضحًا في هذا السياق، بعدما شهدت على سلسلة انتخابات في أشهر قليلة، بسبب الشلل السياسي.
 
ما مدى واقعيّتها؟ 
لكن، بموازاة “المنطق” الذي قد ينطوي على الفكرة، ثمّة “خفايا” كثيرة تسمح باعتبار طرح الانتخابات المبكرة “غير واقعي”، بل إنّ هناك من يكاد يجزم أنّ هذه الانتخابات حتى لو حصلت، لا يمكن أن تشكّل “حلاً حقيقيًا” لأزمة الانتخابات الرئاسية، لأنّ تركيبة أيّ برلمان جديد لن تكون شديدة الاختلاف عن البرلمان الحالي، مع بعض التغييرات الطفيفة، باعتبار أنّ “التوازنات” لا تزال نفسها، بشكل أو بآخر، وبصورة نسبيّة.
 
بمعزل عن ذلك، يقول العارفون إنّ الفكرة غير قابلة للتطبيق، طالما أنّ معظم الأفرقاء يرفضونها أصلاً، فالمعارضة سارعت إلى التصويب عليها، وكذلك فعل “التيار الوطني الحر” الذي سارع بعض نوابه للتنصّل من فكرة “زميلهم” في تكتل “لبنان القوي”، ومثلهم نواب “التغيير” لا يؤيدون هذه الفكرة في الظروف الحالية، بوصفها “تضييعًا للوقت”، علمًا أنّهم قد يكونون من أكبر “الخاسرين” من أيّ انتخابات تجري اليوم.
 
أكثر من ذلك، ثمّة من يقول إنّ “الثنائي الشيعي” نفسه ليس راغبًا بحصول أيّ انتخابات مبكرة في الوقت الحالي، علمًا أنّ أوساطه تنفي بالمطلق أن يكون طرح بو صعب “فكرة” رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما روّج البعض، ممّن أراد إعطاءها “أبعادًا” سياسيّة معيّنة وواضحة الدلالات، ولو أنّ هذه الفكرة قد تصبح مقبولة لاحقًا، إذا ما استمرّ “الشلل” بالشكل الحالي، إلا إذا كان البعض يرغب في “إدامة” الفراغ لما بعد 2026.
 قد تكون فكرة الانتخابات المبكرة مجرّد “طُعْم” أراد البعض رميه من أجل تغيير بعض الوقائع، أو ربما لإحداث “صدمة” من شأنها جرّ الأفرقاء إلى طاولة الحوار. لكن، بالنظر إلى ردود الفعل التي أثارتها، وإذا كان صحيحًا أنّ الفكرة غير قابلة للتطبيق في ظلّ الظروف الحاليّة، فإنّها تطرح سلسلة من علامات الاستفهام، فماذا لو استمرّ الشلل إلى ما شاء الله؟ هل تبقى البلاد “رهينة” برلمان متقاعس وعاجز، بالحدّ الأدنى!