خفايا تكشفُ ما شهدتهُ الكحالة.. من أطلق الرَّصاصة الأولى؟

10 أغسطس 2023
خفايا تكشفُ ما شهدتهُ الكحالة.. من أطلق الرَّصاصة الأولى؟
محمد الجنون

لا يُمكن بتاتاً لحادثة الكحالة التي وقعت، أمس الأربعاء، أن تمرّ مرور الكرام بتفاصيلها المُربكة. حتماً، ما حملته الحادثة من تطوّرات دراماتيكيّة بدءاً من إنقلاب الشاحنة التابعة لـ”حزب الله” وصولاً إلى مقتل شخصين بإطلاق نار ، يُشكّلُ دلالة على أمرين أساسيين لا مفرّ منهما: الأوّل وهو أنَّ المنطقة كادت تشهدُ إنجراراً لفتنة غير محسوبة بسبب عناصر مسلحة ظهرت فيها فجأة، فيما الثاني يؤكد أنَّ خطوط نقل السلاح أو الذخيرة بين البقاع وبيروت قائمة ومستمرّة وفي وضح النهار.

اللافت وسط ما حصل هو إصدار “حزب الله” بياناً سريعاً اعترفَ خلاله بمسؤوليته عن الشاحنة التي انقلبت في الكحالة. وبتحليلٍ لما كشفه الحزب، فإن المنحى الذي سلكتهُ الأحداث في المنطقة شكّل عنصراً ضاغطاً على حارة حريك للإعلان عمّا تم إعلانه، وبشكلٍ أو بآخر ، فقد وجد الحزب نفسه مُجبراً على التوضيح وكشف ما يريده باعتبار أن هناك عناصر حزبية تابعة له ظهرت في المكان، ولأن أحد المنتمين إليه ويُدعى أحمد قصاص قد قُتل جراء الحادثة. بسبب ذلك، بات لزاماً على “حزب الله” الإقرارَ بما جرى، فمن جهة، لا يمكنه إنكارُ أن الشاحنة عائدة له بسبب ما حصل، ومن جهةٍ أخرى هناك قتيلٌ في صفوف عناصره، وبالتالي فإن التستر على هذا الأمر مستحيلٌ تماماً.

ما أرستهُ الحادثة بمختلف حيثياتها كان قاسياً جداً لناحية سقوط قتلى وحصولِ توترٍ كبير، إلا أن الإرادة الإلهية أسّست لعاملٍ يمكن أن يساهم في تهدئة الأمور ويتمثل بأن القتيلين هما من الطرفين وليسا من طرفٍ واحد. لو كانت هناك ضحية واحدة من جهة الكحالة فقط، لكانت الأمورُ سلكت منحى تصعيدياً كبيراً، لكن مقتل عنصر من “حزب الله” في الحادثة كشفَ عن حصول اعتداء أيضاً على الأشخاص الذين واكبوا الشاحنة، وبالتالي وقع الضررُ على الطرفين، والدماءُ سالت من الجبهتين.

الحديثُ في هذا الإطار ليس مُستحبّاً لكنه حقيقة، والسعيُ الآن يكمن في تحديد الجهة التي أطلقت الرصاصة الأولى.

حالياً، فإنّ أوساط “حزب الله” ما زالت تتكتمُ على محتوى الشاحنة، لكن وبمعزلٍ عمّا تضمنته تلك الآلية، فإنّ هدف “حزب الله” اليوم بات يكمنُ في إثبات النظرية التي تشير إلى التالي: “الاعتداء في الكحالة حصل من قبل جهات كانت هناك وعلِمت أن الشاحنة تابعة للحزب، الأمر الذي دفعها لإستهداف عناصر المواكبة بإطلاق النار الذي حصل، وبالتالي حدوث إشتباك أدى إلى المشهدية التي باتت معروفة للجميع”.

قطبة مخفية 
من يضعُ تركيزه قليلاً في الحادثة التي حصلت، سيرى أنها كانت ستمرّ مرور الكرام لولا حصول أمر مفصليّ على أرض الشارع. في الواقع، فإنه من المعروف تماماً أن “كوع الكحالة” يشهدُ الكثير من حوادث السير، وبالتالي فإنه من المتوقع بشكلٍ يومي حدوث كارثة مماثلة لما حصل مع شاحنة “الحزب”، أمس الأربعاء.

وفعلياً، وعند حصول أي حادث، تتولى القوى الأمنية عبر دراجين تسيير الحركة هناك، وقد ظهر ذلك بشكل واضح إذ تواجدت عناصر من “قوى الأمن الداخلي” في محيط الشاحنة إثر وقوعها.

حينها، قد يكونُ حضور تلك العناصر قد حصل بعد مرور وقتٍ طويل نسبياً على وقوع الحادثة، وطبعاً سيكون المستجيب الأول في لحظة الحدث هو جميع المواطنين المتواجدين في المحلّة. ضمنياً، كل ما يقال هنا طبيعيّ جداً، لكنه من الممكن أن تكون لحظة الإنعطافة الدموية قد بدأت بعد النقطة الأخيرة المذكورة، فالشاحنة وبطبيعة الحال كانت تحت مواكبة أمنية خفيّة، وقد يكون اقتراب المواطنين من محتواها الموضب بشكل احترافي وعملية “الرشق بالحجارة” التي جرى الإقرار بها من قبل الأهالي، هو السبيل الذي دفع بعناصر “حزب الله” للتدخل فوراً ومباشرةً لإبعاد أي شخص عن المركبة.

الأمرُ هذا قيل بشكل واضح في إطار متابعة الحادثة، لكن القطبة المخفية تكمنُ في تحديد الجهة التي باشرت بعملية القتل.. بالنسبة للبيئة المؤيدة للحزب، فإن إطلاق النار حصل من قبل شبان من الكحالة، في حين أن أطرافاً أخرى تشيرُ إلى أن الإشتباك الذي حصل بدأ بسبب عناصر “الحزب”.

هنا، فإن السؤال الذي يطرحُ نفسه هو التالي: من الذي أطلق رصاصة الجريمة الأولى؟ ومن الذي قُتل أولاً: فادي البجاني أم أحمد قصّاص؟
كل هذه الأمور يجب أن تحسمها التحقيقات التي بدأت بضغطٍ سياسيّ كبير.

وتقول معلومات أنّ أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله ظلّ يواكب الملف حتى ساعات متأخرة من فجر اليوم الخميس، باعتبار أنّ ما حصل ليس عادياً.

بحسب المعلومات، فإنّ نصرالله أجرى اتصالاتٍ مكثفة مع مختلف قادة الحزب بعد تلقيه تقارير واضحة بشأن ما جرى في الكحالة، والتوجيهات التي صدرت بإصدار بيان العلاقات العامّة أتت بشكلٍ أساسي منه باعتبار أنّ الملف حسّاس جداً.

وإلى حين بزوغ شمس الحقيقة، أصبح “حزب الله” ملزماً بمعالجة ما حصل في الكحالة من باب الهدنة التي يحتاجها تماماً، والسبب هو أن ما جرى كان على طريقٍ تربط مناطقه ببعضها البعض.

وعليه، فإنه ليس من مصلحة الحزب حدوث أي توتر هناك، فطريق الكحالة هي امتدادٌ لضهر البيدر وصلةُ وصل بين البقاع وبيروت، وبالتالي فإن أي ثغرة هناك ستنقلب على الحزب.

كذلك، فإن ما حصل مع شاحنة الكحالة يمكن أن يتكرّر في أي منطقة، باعتبار أن أي مركبة مُعرضة لحادث سير.. والسؤال: كيف ستكون معالجة ما حصل؟ وهل سيأخذ “حزب الله” درب التصعيد لاحقاً في حال وجد أن طريق البقاع باتت مُهددة وتحت أنظار الكثيرين؟ الأيام المقبلة كفيلة بتقديم الإجابة…

المصدر لبنان٢٤