قبل نهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون، كان الواقع السياسي لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل سيئاً للغاية، فبعد أن بقي باسيل معزولاً خلال السنوات الاخيرة من العهد، وبعد الثورة الشعبية التي استهدفته بشكل أساسي، كان من المتوقع أن يخرج باسيل من الحكم ومن الحياة السياسية أيضاً في ظل رفض الغالبية العظمى من القوى السياسية له.
حتى ان واقعه الشعبي الذي ظهر ضعيفاً في الإنتخابات الأخيرة، ساهم بشكل كبير في إنسحاب عدد كبير من الداعمين ل” التيار”، من شخصيات مستقلة ومتمولين، يضاف الى ذلك العقوبات التي اصابت باسيل ووضعت حداً لطموحه الرئاسي، كل ذلك تكافل على تأزيم الوضعية السياسية ل”التيار” ورئيسه مع خروجه المدوي من السلطة.لكن باسيل تمكن خلال أقل من سنة من العودة الى الساحة السياسية لاعباً اساسياً مستفيدا من التوازنات السلبية داخل المجلس النيابي، اذ ادرك الرجل أن كل الاطراف بحاجة اليه، ولكتلته النيابية فقرر رفع “سعره السياسي” ليزيد من مكتسباته في أي تسوية رئاسية مقبلة، علماً ان جميع خصوم باسيل كانوا يرونه معزولاً غير قادر على المناورة.كسر باسيل عزلته من خلال التقاطع مع المعارضة، فكرس نفسه شخصية مقبولة من كل الاطراف وتحديدا من الاحزاب التي حاربته خلال السنوات الاخيرة، اذ باتت علاقته ممتازة بحزب الكتائب وعقد تحالقا رئاسياً مع كل من نواب التغيير والقوات اللبنانية، حيث باتت حجة هؤلاء في أي خلاف مع التيار ضعيفة نسبياً بعد أن أعطوه الشرعية السياسية والنيابية.كما استطاع باسيل تحسين موقعه التفاوضي مع حزب الله وعاد قادرا على الحصول من الحزب على مكتسبات ما كان ليحلم بها لو لم يذهب في خلافه مع حارة حريك حتى النهاية. يحاول باسيل اظهار نفسه اليوم امام البيئة المسيحية بوصفه المنقذ الذي يريد ان يخرجهم من ازمتهم السياسية ويريد أن يستحصل اهم ما لم يستطع اي زعيم مسيحي الحصول عليه في السابق، من لامركزية ادارية ومالية وصولا الى صندوق إئتماني وغيره. حتى مشاكله الداخلية استطاع احتواءها، اذ طوّع باسيل جميع النواب الذين كانوا يلوحون مراراً وتكراراً بالإنفصال عن التكتل، وأظهرهم ضعفاء شعبيا في ظل الإلتفاف الحاضنة العونية حوله. خرج باسيل بسرعة من ازماته التي كانت تشكل خطر وجودي عليه، وبات اليوم لاعباً قويا في الحياة السياسية اللبنانية لا يمكن تخطيه في الإستحقاقات الدستورية الأساسية.