في كلامهِ عن أحداث مُخيّم عين الحلوة يوم أمس، كان قائد الجيش جوزيف عون حاسماً تماماً حينما قال: “لا وجود نيّة أو سعي لدى الجيش لدخول مُخيَّم عين الحلوة”، وأضاف: “لقد اتَّخذنا كلّ الإجراءات ونشرنا قوّة عسكريّة حول المخيم لمنع تمدّد القتال إلى خارجه”.
الرسائل التي أسداها عون كانت واضحة ومن يقرأ ما بين سطورها سيجدُ تفاصيل أمنيَّة كثيرة. فعون، قال إن “الجيش لن يدخل إلى المخيم”، لكنه لم يُقل إن الأخير “لن يتدخّل” في أي أحداثٍ قد تحصل لاحقاً.. الفرق بين العبارتين حرف واحد وشدّة، والجيش سيقولُ كلمته بـ”الحرف الواحد وبشدة” في حال أي إخلال جديد بالأمن يطالُ صيدا وجوارها، وهذا الأمر بات معلوماً لدى جميع المعيين بملف عين الحلوة. كذلك، فإنَّ عون لم يُعلن صراحةً عدم قدرة الجيش على حسم الأمور. في المُخيم، وبكُلّ بساطة، فإنَّ ما تطرّق إليه قائد الجيش كان واضحاً لناحية إلتزام المؤسسة العسكرية بمضمون الإتفاقيات التي تنصّ على وجود الجيش خارج المخيمات، لكنَّ ذلك لا يعني عدم إنخراطه لحسم أي معركة تنشب في عين الحلوة، ولكن من خارجِ أسواره.
ما يُعوّل عليه عون اليوم إنّما يرتبطُ بما سيقومُ به الفلسطينيون على صعيد ضبط أمن المُخيم. حتماً، الدولة قالت كلمتها للفصائل المُختلفة وفيها التالي: “تدبّروا أموركم وسنراقبكم.. سهّلوا الحل وسندعمه.. وإلا سيكونُ لنا كلامٌ آخر”. بكل بساطة، أولى خطوات تنفيذ ما طلبته الأجهزة الرسمية اللبنانية على صعيد ضبط أحداث عين الحلوة، تمثّلَ يوم أمس بخطوة تعزيز القوّة الأمنية الفلسطينية المُشتركة في صيدا والتي باتت تضمُّ مُختلف الفصائل بما فيها حركة “حماس” التي ابتعدت لأكثر من عامين عن تلك القوّة على خلفية أحداث مُخيّم البرج الشمالي. حينها وتحديداً في كانون الأول من العام 2021، وقع إشتباكٌ مسلح داخل المخيم أسفرَ عن سقوط عدد من القتلى خلال “جنازة” عضو في “حماس” كان توفي جراء إنفجار وقع داخل المُخيم. إبان تلك الحادثة، اتّهمت “حماس” حركة “فتح” بالوقوف وراء إستهداف الجنازة وبقتل أشخاصٍ تابعين لها، إلا أن المُشكلة لم تتوسّع وتتطور مثلما حصل في مخيم عين الحلوة.
ما سيجري على صعيد القوّة المُشتركة لن يمرّ مرور الكرام، فالجيش سيُواكب ما ستفعله تلك القوّة ميدانياً، وتقولُ مصادر فلسطينية لـ”لبنان24″ إنَّ المؤسسة العسكريّة لن تسمحَ بتاتاً بأي تجاوزاتٍ جديدة وهي وضعت كلّ فصيل في مُخيم عين الحلوة أمام مسؤولياته، وتقول: “كل أركان الدولة تنتظرُ ما ستنتجه تلك القوة الأمنية المشتركة على أرض الواقع.. الإتصالات حتى الآن إيجابيّة حتى أنّ سعي جميع الأفرقاء الفلسطنيين لجلب المطلوبين في جريمة اغتيال القيادي في فتح اللواء أبو أشرف العرموشي عبر القوة المشتركة بات يتجلى بشكلٍ واضح في الخطابات.. ولكن، هل سينجحُ ذلك؟ الإجابة هي رهن التطبيق لاحقاً”.
كيف سيتدخّل الجيش في عين الحلوة؟ عسكرياً وبشكل مباشر، لم يكن للجيش أيُّ تدخل في عين الحلوة، لكنّ إنتشاره كان واضحاً ومُعززاً حول المخيم، حتى أنَّ العناصر العسكرية صعدت إلى مبانٍ مُحاذية لمناطق الإشتباك في المُخيم وإستطلعت الأوضاع منها وتابعتها عن كثب إلا أنه ووسط كل ذلك، يُطرح السؤال: كيف سيتدخل الجيش في أي حدثٍ جديد موسع داخل المُخيم؟ ماذا سيفعل؟
منذ بداية المعركة في أواخر تموز الماضي، لم يوقف الجيش عمله الإستخباراتيّ داخل المُخيم، وتقولُ معلومات “لبنان24” إنَّ مديرية المخابرات أنجزت التالي: إجراء مسحٍ كامل لكافة معاقل المسلحين، تقييم وتحديد أماكن إنتشارهم داخل المُخيم، الحصول على “داتا” ومعلومات بأنواع الأسلحة الموجودة، إقفال الثغرات التي يمكن من خلالها الخروج إلى ما بعد حدود المُخيم وتحديداً عند الأطراف، إستطلاع كافة التفاصيل المُتعلقة بالخروقات التي أدت إلى إنهيار إتفاقيات وقف إطلاق النار مرّات عديدة خلال جولات الإقتتال الأخيرة.
في حال حصول أيّ معركة، سيكون لدى الجيش “المعطيات الكافية” والمُحدثة عما يجري داخل المخيم ميدانياً.بحسب المعلومات، فإنَّ آخر المعطيات تقولُ إنّ تدخل الجيش في المخيم لن يجري طالما أن الأمور خارجه مضبوطه، وتقول المصادر إنَّ الأطراف المحاذية لعين الحلوة هي أهمُّ بكثير من داخله، وتُردف: “في المخيم، هناك من يمكن حسم المعركة سواء حركة فتح بمفردها أو القوة الأمنية المُشتركة.. كذلك، فإنَّ المداخل مضبوطة وقد تم إقفالها أيضاً ببواباتٍ حديدية حالياً. مهما جرى داخل المخيم من إقتتال عنيف، فإن الجيش لن ينجر للتدخل إلا في حالة واحدة وهي وجود خطرٍ كبير يتمثل بتحرّك الإمتداد الذي يحظى به المسلحون في أطراف عين الحلوة من أجل مهاجمة الجيش وتحويل المعركة باتجاه صيدا وطريق الجنوب”.
وفقاً للمصادر، فإنَّ حديث عون عن منع “تمدّد القتال إلى خارج عين الحلوة” قد لا يعني خروجَ مُسلحين منه، بل من الممكن أن تكون هناك أطرافٌ تسعى للتحرك فوراً في حال وجدت أنّ الجماعات المسلحة داخل المخيم تتقدّم بشكلٍ كبير. حتماً، هذا الأمر سيُعطي “جرعة أمل” للخلايا النائمة، لكنّ اللجم و”الكسر” المستمر للمسلحين في المُخيم يجعل الخلايا المُنتشرة أقلّ حماسة على فتح جبهات موازية لأنّه لا مصلحة لها بذلك طالما أنّ “الرؤوس الأساسية” تُعاني من قتال عنيف. أمام كل ذلك، يمكنُ القول إنَّ الجيش يعي تماماً خطوط المعركة وكيف يرسُمها، في حين أنَّ المخاطر التي ترتبطُ بالمُخيم باتت كثيرة.. والسؤال هنا: ما هو السيناريو المُنتظر.. وهل فعلاً تعتبرُ أحداث عين الحلوة بمثابة “بروفة” لإقتتال أكبر؟ الأيام المقبلة كفيلة بكشفِ ذلك!