معركة “حزب الله” اليوم في الجنوب ضدّ إسرائيل، تُحتّمُ عليه قواعد قتالية جديدة تتسمُ بالمرونة والتبدّل لاسيما على صعيد المواجهة البريّة. المقصود هنا هو أنّ الحزب ومن خلال تحركاته العسكريّة، بات مُلزماً أن ينسف بعض النظريات التي رفعها سابقاً من بينها “إقتحام إسرائيل”، والهدف من ذلك هو ضبط الميدان وعدم إنفلات أمورهِ نحو حربٍ شاملة.
هنا، تُطرح بعض التساؤلات، لكنّ الأساسيّ منها هو التالي: ماذا خسرَ “حزب الله” عسكرياً منذ 8 تشرين الأول الماضي وحتى اليوم وسط المناوشات الدائرة بينهُ وبين إسرائيل؟
عنصر المُفاجأة
بات معروفاً أن “حزب الله” خسرَ عنصر المفاجأة في حربه الحالية، والمقصود هنا هو “المباغتة” التي كان يتميز بها عندما يُقرر خوض أي معركة. حالياً، وبسبب أحداث الجنوب وغزة، أضحى الحزبُ يتعاملُ مع قوة إسرائيلية كبيرة قائمة أمامه بكل عتادها وعديدها، وبالتالي لم تعُد لديه القدرة على إتمام المفاجأة بالهجوم المتمثل بـ”إقتحام الجليل” والذي سيُقابل بتصدٍّ إسرائيليّ فوريّ وقتال عنيف قد يؤدي إلى حرب إستنزافٍ فعلية.
في سبيل “المفاجأة”، فإن ما كان يُراهن عليه “حزب الله” سابقاً وقبل عملية “طوفان الأقصى” في غزة يوم 7 تشرين الأول الماضي يرتبطُ بأمرين أساسيين:
– الأمر الأول وهو إنشغال الإسرائيليين بالأزمة السياسية الداخلية المرتبطة بـ”التعديلات القضائية” والتي برزت خلال الأشهر الأولى من العام الجاري. المسألةُ هذه كانت أساسية لجعل “حزب الله” ينقضُّ نوعاً ما ضد إسرائيل من بوابة “تشتّت” جيشها بسبب تلك المسألة. أما اليوم، فالجيش الإسرائيلي استعادَ تماسكه إبّان حرب غزة، وبالتالي فان نقطة الضعف التي كان الحزب يسعى لإستغلالها تلاشت في الوقت الراهن.
– الأمر الثاني الذي تمسك به الحزب هو أنَّ إسرائيل كانت تفقدُ قدرتها على تحديد توقيت الهجوم الذي قد يشنه “حزب الله”. صحيحٌ أنه من الصعوبة تحديد هذا الأمر حالياً ولاحقاً، لكن الجهوزيّة الإسرائيليّة لأي طارئ تُعتبر عائقاً كبيراً أمام أي مُجازفة قد يُقدم عليها الحزب ميدانياً، باعتبار أنّ خسائرهُ ستكون كبيرة جداً.
أمام كل ذلك، يُطرح سؤال في المقابل: ما هي العناصر التي حافظ “حزب الله” من خلالها على المفاجأة التي يريدها؟ وأين تتركز؟
الإجابة ستكون مرتبطة بما يُمكن أن يفعله “حزب الله” الآن خلال معركته القائمة ضد إسرائيل. حالياً، الحزب لم يعد بحاجة إلى “توقيت لبداية” المعركة، فالأمور حالياً مفتوحة والحربُ قائمة، وبالتالي باتت قدرته على التحرك أكثر سلاسة. إضافة إلى ذلك، بات بإمكان الحزب الآن ترسيخ مفاجآت ميدانية قد تُساهم في إرهاق إسرائيل، شرط أن تبقى الأمور تحت سقف الحرب. المقصود هنا هو أنّه يُمكن لـ”حزب الله” ومن خلال “أوراقٍ جديدة”، تطبيق سيناريو إقتحام الجليل بطريقةٍ ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بالعنصر البشري الذي سيقتحمُ المنطقة برياً.
عملياً، ومن خلال قراءة مضامين العمليات العسكرية التي ينفذها الحزب، يتبين أن الأخير سعى إلى إقتحام الجليل فعلياً والوصول إلى عمق جغرافي مُتقدّم عبر طائراتٍ مُسيّرة إنقضاضية وبواسطة العمليات الهجومية التي نفذها ضد مواقع إسرائيلية ومنازل تحولت ثكنات عسكرية بواسطة أسلحة متقدمة لها تأثيرها الميداني.
حتماً، كل ذلك ساهم في تحويل المستوطنات الإسرائيلية المُحاذية للبنان إلى مناطق فارغة من السكان، وهو أمرٌ يُلبي إلى حدّ ما الهدف الذي سعى الحزب لتحقيقه في خطته المعقدة بشأن “إقتحام الجليل”. كذلك، فإنّ الوصول إلى العمق عبر العمليات وعدم الإكتفاء بخطّ الحدود هو أمرٌ مهم جداً يمكن الوقوف عنده، ومن الممكن أن يكتفي الحزب به راهناً لإثبات أنه استطاعَ “مراكمة إنجازات” أساسية جاءت في خطته، ولكن من خلال ضرباتٍ موضعية لم تؤدِّ إلى معركةٍ شاملة.
عنصر “إستقلالية الميدان”
الحرب التي يخوضها “حزب الله” حالياً ضد إسرائيل مربوطة تماماً بحرب غزة بكافة تفاصيلها. الأمر هذا تُرجم فعلياً خلال الهدنة التي استمرّت أسبوعاً كاملاً الأيام الماضية بين “حماس” وإسرائيل في القطاع الفلسطينيّ وانهارت مُجدداً يوم الجمعة.
فعلياً، المسألةُ هذه تُمثل خسارة لـ”حزب الله” لما يُعرف بـ”عنصر إستقلالية الميدان”. مصادر معنية بالشؤون العسكرية قالت لـ”لبنان24″ إنّ هذه نقطة أساسية على صعيد الحرب القائمة، وتوضح أنّ الحزب لم يعد هو المُتحكّم بما يفرضه الميدان، بل بات ينتظرُ البوصلة من غزة ليُحدد تحركاته.
بحسب المصادر، فإنّ هذه المسألة كان الحزب يتلافاها سابقاً خلال أي عملية كان يُنفذها، سواء في حرب تموز عام 2006 أو خلال العمليات التي سبقت تلك الحرب أو جاءت بعدها. كذلك، فإن خطة الحزب لـ”إقتحام الجليل” وُضعت لكي لا تكون مرهونة بحدثٍ آخر، بل لتكون مُقدمة لتسلسل أحداثٍ تأتي بعدها وليس العكس.
إذاً، المسائل كلها اختلفت، وبالتالي القراءة الميدانية لما قد يجري تُحتّم النظر في ما قد يُقدم عليه “حزب الله” عبر أساليب جديدة تثبت قوته العسكرية.. فما هي السيناريوهات التي قد يعتمدها؟ وما الذي سيُميزه لاحقاً بعد عملية “طوفان الأقصى”؟ الإجابة على هذه التساؤلات ستكونُ في حديثٍ آخر.. وللبحثِ تتمّة…