كتب عبدالله عبد الصمد في” نداء الوطن”: يقول مصدر أمنيّ إن نسبة الفرار من السرايا المتخصّصة بالسجون تفوق نِسَبَ الفرار المسجّلة في السرايا الأخرى، فالذي يتركها (بأي طريقة كانت: تقاعد، تشكيل، فرار…)، يترك شغوراً يصعب ملؤه، فإما «بالواسطة» أو بالفرار يمتنع البديل عن الالتحاق بمراكزها، مما أدى، في خلال العام 2023، الى نقص مخيف في عدد عناصرها، ويَفتَرِض أن عديدها وصل الى نصف العدد المطلوب في كثير من المراكز. كل ذلك حدا بالمسؤولين للتعامل مع التشكيلات منها وإليها بحذر كبير، آخذين بالاعتبار الوضع الاجتماعي وسنوات الخدمة للعناصر المراد نقلهم.
أما على الصعيد العام، فأكّد المصدر أن عدد المتسربين من الجهاز لا يكاد يصل الى نسبة 5% من العدد الإجمالي مع نهاية العام الحالي، بعكس ما يُشاع عن نسبة تفوق الـ 10%. لكن في جميع الحالات، لم يصدر عن قوى الأمن الداخلي أي تأكيد أو نفي رسمي بهذا الخصوص.
يتابع المصدر ذاته، أن أحد الأسباب الملفتة للتَهَرُّب من الخدمة في السرايا المتخصّصة بالسجون، لا سيما سرية السجون المركزيّة، هو التفاوت الواضح بين الوضعين المعيشيين للسجين وللعنصر الأمنيّ. فبخلاف ما تتناقله وسائل إعلام كثيرة عن الأوضاع المعيشية السيئة التي يعانيها السجناء، تجد في الواقع أحوالهم أفضل من أحوال العناصر الأمنية. باستثناء أولئك الذين يقبعون في نظارات لا تستوفي أدنى شروط العيش. وللإضاءة على أحوال السجناء سنأخذ سجن رومية كمثال، كونه السجن المركزيّ الأكبر في لبنان والذي طالما حاز على اهتمام المجتمعين الدولي والمحلي.
ففي سجن روميه، يحصل كل سجين على التالي: الطعام الكافي والصحّي (تشكّل البقوليات مواده الرئيسية)، التحلية المقبولة والفواكه بحسب مواسمها، المياه الصالحة للشرب، التغذية شبه الكاملة بالكهرباء (22 ساعة في اليوم)، الطبابة والاستشفاء المجانيان، سخانات للطعام، وسائل تسلية وترفيه، وسائل تثقيف.
في المقابل، يشتري العنصر الأمني من ماله الخاص أثناء خدمته طعامه وشرابه وتحليته. يدفع فاتورتي مياه، وفاتورتيّ كهرباء عن منزله ليحصل على 12 ساعة تغذية في اليوم كحدّ أقصى، تترتب عليه مصاريف إضافية عند كل حالة استشفاء. أضف الى كل ذلك المصاريف المرتفعة للنقل (من والى العمل)، فراتبه لا يكاد يكفي في أفضل الأحوال حتى منتصف الشهر.
باختصار، «السجون في حالتها الحاضرة كالجمر تحت الرماد. وخوف القوى الأمنية من انفجارها يجعلها تغضّ الطرف عن ممارسات كثيرة للسجناء، مثل تشكيل مجموعات منظّمة أدت الى ظهور مراتب اجتماعية هرمية بينهم…وغير ذلك». هذا ما أكده لنا مسؤول أمنيّ رفيع، وعن تراجع مستوى أداء قوى الأمن الداخلي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، رأى أن ذلك يعود الى عدّة أسباب رئيسية، أولها، التقاسم السياسي لوحدات الجهاز. ثانيها، العجز المالي الذي أرهق جميع القطاعات الرسمية لوجستياً بما فيها القطاع الأمني. ثالثها، خفض ميزانيات التدريب والتطوير. رابعها، انخفاض عدد النخبة، فأولئك إما تجمّعوا في سرايا متخصّصة، أو نقلوا الى مواكبة الشخصيات، وقد بلغ عدد المكلفين بمهام حماية شخصيات سياسية وغير سياسية 2700 رجل أمن، أي ما يفوق الـ 10% من العدد الإجمالي لعناصر قوى الأمن الداخلي. تضاف الى ذلك حالات التسرب، والاستقالة، وبلوغ السنّ، في حين أن آخر دورة تطوع كانت لرتباء في العام 2016.
يختم المسؤول بالقول: لا شكّ أن حالات التسرب من الجهاز تؤثر سلباً عليه، وقد تشكّل نقطة ضعف حقيقية يتسرّب منها المجرمون، وقد يستخدمونها للهروب من السجون، أو لأكثر من ذلك. وهنا لا بدّ من حثّ المسؤولين السياسيين على حماية الأمنيين والعسكريين اقتصادياً ومعنوياً من خلال إيجاد حلول تحافظ على ما بقي من هيبة الدولة اللبنانية.