لطالما كان صالح العاروري الشخصية الفلسطينية الاستراتيجية على رأس المطلوبين لإسرائيل،فهي تعتبره أحد أهم مؤسسي كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية، إذ يوصف من قبل حركة حماس بأنه قائد أركان المقاومة في الضفة الغربية وغزة ومهندس “طوفان الأقصى”.
بدأ العاروري في تأسيس وتشكيل جهاز عسكري للحركة في الضفة الغربية عامي 1991-1992، ما أسهم في الانطلاقة الفعلية لكتائب القسام في الضفة عام 1992. اعتقل لأكثر من 18 سنة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعندما أفرج عنه في المرة الأخيرة عام 2010 تم ترحيله إلى سوريا لمدة ثلاث سنوات ومن ثم غادر إلى تركيا مع تفاقم الأزمة السورية وبعدها بسنوات غادر تركيا وتنقل بين عدة دول من بينها قطر وماليزيا، واستقر أخيراً في الضاحية الجنوبية في لبنان.
كان العاروري أحد أعضاء الفريق المفاوض لإتمام صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط لدى المقاومة الفلسطينية، وهي الصفقة المعروفة باسم “وفاء الأحرار” عام 2011 ،كما أن الإعلام الغربي وصف العاروري بأنه حلقة وصل استراتيجية بين ثلاث جهات، هي حماس وحزب الله وإيران، علما انه وضع على قائمة العقوبات الأميركية المرتبطة بالإرهاب ورصدت الخارجية الأميركية مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لقتله أو اعتقاله. واتهمته اسرائيل بأنه وقف خلف عملية خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل2014، حيث أعقبت الاتهام بهدم منزله.
في اليوم الـ88 من الحرب الإسرائيلية على غزة، اغتالت إسرائيل في هجوم بطائرة مسيرة على مكتب حماس حيث كان يعقد اجتماع للفصائل الفلسطينية في الضاحية الجنوبية ببيروت، نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس صالح العاروري واثنين من قادة كتائب القسام سمير فندي وعزام الأقرع بالإضافة إلى ثلاثة لبنانيين، وهم محمود شاهين أحد المسؤولين في الجماعة الإسلامية ومحمد الريس، ومحمد بشاشة من مدينة صيدا وأحمد حمود.
وبحسب الخبراء العسكريين، فإن تل أبيب تجاوزت الخطوط الحمر، كسرت قواعد الاشتباك مع لبنان، فضربة الثاني من كانون الثاني تشكل الضربة الأقسى منذ العام 2006، ومن شأنها ان تحدد مسار ومآل الامور في المرحلة المقبلة لجهة الحرب المفتوحة أو التسوية المنتظرة، علما أن انفجاراً هزَّ الضاحية الجنوبية في العام 2019 نتيجة سقوط طائرة إسرائيلية مسيرة وتحطم طائرة أخرى، ما تسبب بأضرار جسيمة في مبنى المركز الإعلامي التابع لحزب الله.
ما حصل أدخل المنطقة في مسار جديد إن لجهة تعليق المفاوضات التي كانت جارية من أجل وقف إطلاق النار وإن لجهة الوضع في لبنان الذي يترقب إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عند السادسة من مساء اليوم، خاصة وأنه حذر في نيسان الماضي الاحتلال الإسرائيلي من استهداف أي شخصية لبنانية أو فلسطينية أو سورية أو إيرانية أو تحمل أي جنسية في العالم داخل لبنان، مؤكدًا أن المقاومة الإسلامية في لبنان سترد على أي حدث أمني يحصل في لبنان بقوة دون تردد.
ويظن المقربون من “محور المقاومة”، أن اغتيال أبو محمد، القيادي العسكري الفلسطيني سيؤدي إلى تغيير الوضع في الجبهة اللبنانية مع إسرائيل، في حين أن الخبير العسكري والاستراتيجي عمر معربوني يؤكد لـ”لبنان24” أن الرد من لبنان بالتحديد سيكون متصفا بالحكمة والحزم، نظرا إلى طبيعة الانقسام العمودي في البلد. وهناك فريق يعارض دخول لبنان في الاشتباك الحالي وبالتالي لن يقبل بالدخول في اشتباك أوسع مما هو عليه الوضع الراهن، وعلى هذا الأساس يعتقد معربوني أن الرد حتمي لكنه سيكون موزونا بحيث سيتم تفويت الفرصة على إسرائيل الاستفادة من هذه العملية واعتبارها انجازاً وفي الوقت نفسه يحافظ على وضعية الاستقرار. ولذلك فإن توقيت الرد في الزمان والمكان يعود ل”حزب الله”، الذي سيؤكد أمينه العام على معادلات الاشتباك القائمة وسيحاول قدر الامكان الاستفادة من الوضعية الحالية. وبالتالي فإن الحزب لن يكون بعيداً عن توجيه رسالة للعدو الإسرائيلي في زمان ومكان مناسبين ومتماثلين.
الأكيد، بحسب معربوني، أن ما حصل هو من ضمن مسار الحرب المفتوحة التي بدأت منذ نحو ثلاثة شهور ، والمعادلات التي يمكن إسقاطها على هذه العملية هي مختلفة تماما عن المعادلات التي سبقت “طوفان الاقصى”، وهذا يعني أن كيفية الرد ستكون مختلفة إلى حد كبير، نظرا إلى أن الوضعية هي وضعية اشتباك والتالي هناك مسألتين لا بد من التوقف عندهما: الأولى تقدير الموقف. والثانية هي طبيعة الرد وكيفيته. فمحور المقاومة، يتعاطى، بحسب معربوني، مع استشهاد القادة بنفس المستوى الذي يتعاطى فيه مع استشهاد “المجاهدين” العاديين .ولا شك أن مسألة اغتيال العاروري هي مطلب إسرائيلي، فرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وفريقه يرغبون بتوسيع الاشتباك ودائرة العمليات للاستمرار في الحكم. فنتنياهو اليوم يعيش حالة تخبط يين الاستمرار في الحرب وتوسيع نطاقها، أو انتهاء هذه الحرب والذهاب إلى المحكمة، علما أن نتنياهو أشار أمس “أننا لا نستهدف لبنان ولا حزب الله بل كل من تورط في هجوم 7 أكتوبر”.ومع ذلك، فإن حكومة نتنياهو التي التزمت الصمت ولم تتبنَ رسميا عملية الاغتيال ترغب بتوسيع رقعة الحرب مع حزب الله، إلا أنها غير قادرة على ذلك، بفعل الضغط الأميركي لمنع تشعب الصراع الدائر في قطاع غزة منذ أشهر، فمن ضمن أولويات واشنطن ضمان ألا يتسع الصراع في غزة ويصل إلى لبنان.