QR Code على الضريح… والميت أونلاين

11 مارس 2024
qr-code-على-الضريح…-والميت-أونلاين
QR Code على الضريح… والميت أونلاين

كتبت زيزي اسطفان في “نداء الوطن”: في زمن الذكاء الإصطناعي وفورة مواقع التواصل، حتى الموت صار online وصار لزاماً أن يبقى الميت connected حتى بعد رحيله فلا يغيب عن الواقع الإفتراضي ولا عن الذاكرة. فكرة جديدة وصلت إلى لبنان بعد الدول الغربية، تقوم على وضع QR Code على ضريح الشخص المتوفي، ليتمّ مسحه عبر الهاتف أو أي جهاز إلكتروني والإنتقال فوراً إلى صفحة أو موقع يضمّ مجموعة من الصور والفيديوات للراحل أو شهادات عنه لتبقى ذكراه حية.

للوهلة الأولى تبدو الفكرة مؤثرة جميلة ومواكبة لعصر التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي وهي كما يسمّونها في الغرب «الذكرى الحية» التي لا تندثر مطلقاً فطالما الإنترنت موجود تبقى كل الذكريات محفوظة في مكان واحد الى أبد الآبدين… في لبنان جاءت فكرة الـQR على القبر عبر شركة MemorialMemoirs.Qr التي أطلّ صاحبها ربيع الأثاث عبر صفحته على الإنستغرام ليعلن عن «منتجه» الجديد ويشرح للناس أهمية تخليد ذكرى الفقيد، لا من خلال صورته وتسجيل اسمه وتاريخ وفاته فحسب كما جرت العادة، بل عبر الانتقال بمسحة كاميرا بسيطة الى الصور والفيديوات والشهادات والإنجازات المؤثرة جداً التي توثّق حياته وتلخّص ذكرياته.

الموتى الأحياء…

في عرضه فكرته، يقدّم صاحبها وفي بثّ حي من داخل إحدى المقابر، مجموعة من المميّزات، التي تضاف الى الهدف الأساسي منها، فمسح الـQR عملية سهلة جداً كما يظهرها لنا تتيح الدخول الفوري الى كل الصور والفيديوات التي اختارها أهل الفقيد وأرسلوها الى الشركة. والـ QR مقاوم للماء لا يمحوه مطر ولا سيول كما أن خدمة التوصيل متوافرة الى جميع المناطق مجاناً وكلفة التنفيذ لا تتعدّى 15$. إضافة الى ذلك يمكن لأهل الفقيد (أو العملاء) كما يقول الإعلان المرفق أن يرسلوا مقاطع الفيديو أو الصور دون الحاجة الى تحريرها أو تعديلها، فالشركة تقدّم خدمة التحرير والمونتاج المهني بتكلفة تتوافق مع احتياجات العميل الخاصة مع توفير أعلى مستويات الجودة والإبداع… وعلى الصفحة الخاصة بالشركة مجموعة أقوال وجدانية تبرز أهمية تكريم الفقيد وتخليد ذكراه بشكل فردي مميّز بعيد عن النمطية يربط الماضي بالمستقبل ويبقي إرث الراحل حيّاً في قلوب كلّ من عرفوه وأحبّوه…

الفكرة مؤثرة بالطبع وهي في الغرب فكرة عادية جداً ومقبولة ومطلوبة ولكن في بلد كلبنان يتحوّل فيه كل شيء الى مثار للتندّر والسخرية والتنمّر والفكاهة انقضّ عليها الكوميديون ليبالغوا في رسم تجليّات أخرى لها. عماد كعدي ابتكر فكرة ساخرة لشركة رديفة هي: «قوم _ما بيلبقلك» تسمح لأهل الفقيد أن يعيشوا مع الراحل سنوات إضافية وذلك عبر تسليمهم هاتف الفقيد للشركة وهي تتولّى إبقاءه ناشطاً على واتساب وإنستغرام وفايسبوك وحتى على لينكد إن لأنه قد يكون «ميتاً لإيجاد عمل». على إنستغرام يقول كعدي ساخراً سوف يستمرّ الفقيد بتنزيل «ستوريز» يومية وعلى واتساب سيبقى ناشطاً في كل الغروبات ويشارك في مشاريعها وكل هذا بمئة دولار في الشهر فقط وبـ20 دولاراً إضافية يمكن أن يطلع لايف على تيكتوك حتى لا ينحرم محبّوه وعائلته من رؤية فقيدهم بشكل يومي…

تخليد للذكرى أم إنتهاك لحرمة الموت؟

بزنس مربح، سخرية وتندّر أم انتهاك لحرمة الموت؟ كل الأديان السماوية كما الثقافات والحضارات المختلفة تجلّ الموت وتحيطه برهبة خاصة وتضع له حرمة لا يجوز انتهاكها. فهل يتجاوز مبدأ الـQR هذه الحرمة ؟ وما رأي علم النفس والأديان بهذه الطريقة لإحياء ذكرى المتوفي؟

زينة حبيش الاختصاصية في علم النفس العيادي تؤكد على حرمة الموت وتقول لـ»نداء الوطن» إن تخليد ذكرى الراحل يجب أن يتمّ باحترام تام لحرمة الموت من جهة واحترام لإرادة الفقيد من جهة أخرى. فما تقوم به العائلة أو المقرّبون بعد وفاته قد لا يكون موافقاً عليه خاصة أن طريقة الـQR تجعل من المتوفي شخصية عامة يمكن لأي كان الاطلاع على صورها وذكرياتها وعلى أمور شخصية جداً دون أن يكون له في ذلك أية كلمة أو قرار. صحيح أن العائلة قد تقوم بالأمر بنية طيبة لكنها لم تحظَ بموافقة مسبقة وليس لها الحق باتخاذ قرار عن شخص لم يعد موجوداً. وقد تقوم بنشر فيديوات كان الراحل ربّما يودّ الاحتفاظ بها لنفسه وإبقاءها خاصة، وتداعيات هذا القرار الذي يحوّل الذكريات الخاصة الى أمور يمكن للجميع الاطلاع عليها قد لا تكون دوماً إيجابية. رغم النية الطيبة وراء الفكرة، تؤكد حبيش، إلا أنها تثير جدلية كبيرة. فالصور أو الكتيبات التي توزع في مراسم الدفن تبقى محصورة في الزمان والمكان وتوزّع على أفراد مقرّبين معروفين وهي تخلّد ذكرى الراحل بطريقة تحمل الكثير من الاحترام أما أن تعمّم الصور والفيديوات بحيث تصبح متاحة أمام الجميع ففي هذا انتهاك واضح لكل الحرمات. ففي علم النفس كما في الواقع، يمكن للكثير من الأشخاص المنحرفين أو أصحاب الاضطرابات أن يستعملوا هذه الصور لأغراض معينة ربما لتحريفها أو للإساءة الى صاحبها ومن يظهر معه في الصور أو حتى استغلالها لأغراض أخرى أو ربما للسخرية منها. يصعب تخيّل ما يمكن للشخصيات المضطربة أن تفعل أو كيف يمكنها استغلال هذه المواد التي باتت متاحة أمامها بمجرّد دخولها الى المدافن وثمة أمثلة صادمة عن أشخاص يدنّسون حرمة الميت أو يقومون بأعمال وتصرّفات غريبة وقد تحدث في أي مكان وزمان.