الانتهاكات لا تتوقف.. هل تصبح الساحة اللبنانية مستباحة؟!

15 مارس 2024
الانتهاكات لا تتوقف.. هل تصبح الساحة اللبنانية مستباحة؟!

 
في وقت تستمرّ المفاوضات من أجل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، يفترض أن ينعكس أيضًا على “جبهة الإسناد” في جنوب لبنان، بعد “ترنّحها” بعض الشيء، خصوصًا مع بداية شهر رمضان على وقع القصف، بعد تبدّد الآمال بتحقيق ما سُمّيت بـ”هدنة رمضان”، يبدو أنّ الجانب الإسرائيلي اختار “تكتيكًا مناقضًا”، يقوم على المزيد من التصعيد، سواء في الأراضي الفلسطينية من غزة إلى الضفة، أو في لبنان.

Advertisement










 
على مستوى “الجبهة اللبنانية”، تجلّى هذا التصعيد في الأيام القليلة الماضية، من خلال “توسيع” العدو لساحات الاشتباك، بعد كسره سابقًا لكلّ قواعده، حتى أضحى القصف الإسرائيلي لمناطق بعيدة عن الحدود الجنوبية أمرًا “روتينيًا”، كما حصل في محيط مدينة بعلبك والقرى المجاورة في البقاع، وصولاً إلى “تشريع” الاغتيالات مجدّدًا، مع استهداف أحد القياديين في كتائب القسام، بين مدينة صور وبلدة الناقورة جنوبًا.
 
وإذا كان التصعيد الأخير يأتي ضمن سلسلة انتهاكات إسرائيلية لا تتوقف، بل تتصاعد بالتوازي مع “تحريض صريح” من سياسيين إسرائيليين على الذهاب إلى “الحرب الموسّعة”، فإنّ تساؤلات تُطرَح عن دلالات المشهد المحتدم على أكثر من مستوى، فهل أصبحت الساحة اللبنانية “مستباحة” بالفعل، وبالتالي أصبحت “مشرّعة” أمام الانتهاكات بلا أيّ رادع؟ وهل يصبح التعاطي الإسرائيلي مع لبنان كغزة مثلاً، أقلّه ما قبل “طوفان الأقصى”؟
 
قواعد الاشتباك “كُسِرت”
 
قد لا يكون ثمّة إجابة حاسمة على هذه التساؤلات بعد، طالما أنّ الجبهة لا تزال “ملتهبة”، ما يحيل أيّ بحث فعليّ بما يصطلح على وصفه بـ”اليوم التالي” إلى ما بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أو بالحدّ الأدنى، الاتفاق على “هدنة طويلة الأمد”، لكنّ الثابت في الانتظار هو أنّ كلّ قواعد الاشتباك قد “كُسَرت”، سواء تلك التي كان معمولاً بها منذ حرب تموز 2006، أو حتى تلك التي كانت سائدة مع بداية “طوفان الأقصى”.
 
يكفي للدلالة على ذلك التوقف عند “كمّ” الضربات الإسرائيلية، ولكن أيضًا “نوعها” في الآونة الأخيرة، حيث بات واضحًا أنها ما عادت تلتزم بأيّ قواعد اشتباك، وما عادت تتقيّد بأيّ “ضوابط” إن جاز التعبير، وكأنّ كلّ المناطق “مشرّعة” أمام القوات الإسرائيلية، إذا ما وجدت لنفسها “هدفًا” تعتبره “مشروعًا”، سواء كان لبنانيًا أو فلسطينيًا، من دون أن تضطر لتقديم التبريرات أو الشروحات، كما فعلت مثلاً مع ضربة الضاحية الجنوبية لبيروت.
 
ثمّة من يشبّه السلوك الإسرائيلي في هذا السياق بذلك الذي تعتمده تل أبيب أساسًا في سوريا، منذ سنوات، أي قبل اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، ومن دون أن تكون هناك جبهة مفتوحة فيها أصلاً كما هو الحال في جنوب لبنان، حيث يرى كثيرون أنّ ما يحصل في لبنان اليوم مشابه لما كان ولا يزال يجري في سوريا، حيث تشرّع إسرائيل نفسها الضرب متى شاءت، وفي أيّ مكان تريد، من دون أن تتعرّض لأيّ مساءلة حقيقية وجدّية.
 
دور “حزب الله”
 
صحيح أنّ الظروف الحاليّة قد تسمح بهذا التشبيه، باعتبار أنّ الانتهاكات الإسرائيلية لا تتوقّف، وساحات الاشتباك تكاد تكون كامل التراب اللبناني، وليس المنطقة الحدودية في الجنوب فحسب، إلا أنّ العارفين يؤكدون أن مثل هذا التشبيه قد لا يكون في مكانه، للعديد من الأسباب، أولها أنّ ما قد يبدو في الظاهر “أمرًا روتينيًا”، إن جاز الوصف أصلاً، في أيام الحرب لا يمكن أن يكون كذلك في غيرها من الأيام، وخصوصًا في مرحلة ما بعد الحرب.
 
يلفت العارفون في هذا السياق إلى دور “حزب الله” في المواجهة، ولو كان “مضبوطًا” اليوم، باعتبارات الحزب الذي يتجنّب الذهاب إلى مواجهة مفتوحة، إلا أنّه يصرّ على إيصال رسالة واضحة بأنّ الانتهاكات الإسرائيلية لا يمكن أن تمرّ بلا ردّ، بما يعني أنّ ما كان يسري على مناطق أخرى في المنطقة في ظروف محدّدة، لا يسري بالضرورة على لبنان، الذي فتح أصلاً جبهة الجنوب تضامنًا مع الشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة.
 
أكثر من ذلك، يقول العارفون إنّ “سيناريوهات” ما بعد جولة التصعيد الحالية تبقى مرهونة بالنهايات التي ستبلغها، ولا سيما في ظلّ قناعة راسخة لدى كثيرين بأنّ هذه الجولة لن تنتهي إلا بـ”حلّ جذري” حقيقي، علمًا أنّ وساطات دوليّة تعمل على هذا الخط، لعلّ أبرزها تلك التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي يسعى لتكرار إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، على نحو يصحّ وصفه بـ”الشامل”.
 
ثمّة من يقول إنّ “استباحة” إسرائيل للأراضي اللبنانية، بالشكل الحاصل حاليًا، تأتي لـ”اطمئنانها” إلى أنّ “حزب الله” لن ينجرّ إلى الحرب الشاملة، مهما بلغت شدّة الاستفزاز. وثمّة من يربط جولة التصعيد الحالية بسعي تل أبيب إلى “رفع السقف” قبل المفاوضات، وهناك من يضعها في خانة “الضغوط”، لا أكثر ولا أقلّ. في كلّ الأحوال، يبدو الثابت أنّ “المؤقت” لن يصبح “دائمًا”، وأنّ فكرة أن يكون لبنان “مستباحًا” غير واردة!