في ظل المحاولات المستمرة التي يقوم بها رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل لتعديل خطابه السياسي المرتبط بالعمليات العسكرية لـ “حزب الله” في الجنوب، في اطار اعادة وصل جزء مما انقطع، يبدو أن “قوة خفية” باتت أكثر سلطة من باسيل وأكثر قدرة على توجيه الخطاب الاعلامي العوني، اذ ان الهجوم الذي تعرض له الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله بعد خطابه الاخير من العونيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي يوحي بأن قراراً حزبياً من داخل “التيار” قد اتخذ بالأمر.
باتت الاجنحة داخل “التيار” أقوى من باسيل، بالرغم من ايحاء بعض المسؤولين العونيين بأنهم تحت جناح رئيس “التيار”، الا ان الخطاب المعادي للحزب، او حتى الخطاب المؤيد له داخل “التيار”، بات لديه جمهور عوني واسع في ظل محاولات باسيل المستمرة التوفيق بين الخطابين، وهذا ما لا يرضي اياً من الطرفين، وعليه بات رئيس “التيار” غير قادر فعلياً على القيام بأي اعادة تموضع سياسية فعلية، خوفاً من خسارة هذا الفريق او ذلك، ما يترجم خسارة شعبية محققة.
لم يعد باسيل قادراً على القيام بأي تحول فعلي اقله في هذه المرحلة التي يحتاج فيها لخطوات سياسية تجعله جزءاً من هذا الخندق او ذاك للاستفادة من التسويات التي بدأت تلوح بالافق. وعملياً لم يعد باسيل هو من يقود “التيار” بل الشارع العوني هو الذي يقود باسيل ويحد له من خطواته، فتارة يغازل الحزب وتارة يهاجمه، حتى انه تبنى خطاباً يرضي الشارع العلوي عندما زار عكار. على قاعدة “الجمهور عايز كده” يعمل باسيل من دون ان يدرك أنه في ازمة حقيقية لا يمكن الخروج منها بسهولة.
يعتبر رئيس “التيار” أنه قادر على ارضاء الحزب متى شاء، علماً ان هذه النظرية غير صحيحة في تعامل الحزب الدائم مع جميع القوى السياسية على “القطعة”، اي ان حارة حريك لم تعد ترغب في التحالف مع احزاب وقوى بشكل وثيق، خصوصاً من لا يشاركونها افكارها السياسية الداخلية والاستراتيجية في الوقت نفسه، وعليه فإن التعامل مع الحزب “التقدمي الإشتراكي” سيكون على القطعة، وكذلك مع النواب السنّة، وتيار “المستقبل” في حال عودته الى العمل السياسي.
اما “التيار” وفي ظل تسلم باسيل زمام القرار فيه، لا يمكن ان يكون حليفاً كاملاً للحزب، ولا يمكن لحارة حريك أن تشكل له رافعة سياسية حقيقية، وعليه فإن التعامل معه “على القطعة” سيكون امراً لا مفر منه، من دون الذهاب الى خلاف شامل ونهائي معه، لذا فإن باسيل غير القادر على القيام بأي تحول عملي في مساره السياسي بات عاجزاً ايضاً على ضمان استعادة المكاسب السياسية التي كان قد حققها في المرحلة السابقة في ظل تحالفه مع “حزب الله”.
مَنْ يعرف رئيس “التيار” يؤكد انه يفضل الخطاب اليميني على الخطاب الوسطي الذي كان يعتمده عمه الرئيس ميشال عون، لكنه في الوقت نفسه خبِرَ اهمية التحالف مع “حزب الله” نظرا للمكاسب الحزبية والسلطوية التي حصل عليها بدعم من الحزب. هكذا لم يعد الصراع الذي يواجهه باسيل سياسياً فقط بل صراع شخصي جدي، قد لا يجد طريقا للخروج منه من دون ان يعرض تياره لخسائر هائلة.