أوقف مدّعي عام التمييز بالإنابة القاضي جمال الحجار، أمس، حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، بعد الاستماع إليه في ملف شركة «أوبتيموم» والمستفيدين من حساب «الاستشارات» في المصرف المركزي.
وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي:”توقيف رياض سلامة قرار قضائي ولن نتدخل فيه”، مشددا على ان “القضاء يقوم بواجبه وجميعنا تحت سقف القانون”.
وذكرت «الأخبار» أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، بالتشاور مع الدائرة القانونية في المصرف، أرسل إلى القاضي الحجار قبل أسبوعين كل الداتا المتعلقة بحساب «الاستشارات»، وهو ما يفترض أنه شكّل انعطافة في التحقيقات، علماً أن الحجار بدأ التحقيق في ملف «أوبتيموم» نهاية تموز الماضي، وهو الملف عينه الذي كانت تحقّق فيه القاضية غادة عون قبل أن يُسحب منها.
وبحسب مصادر مطّلعة، تزامن إرسال منصوري كل المعطيات الخاصة بحساب «الاستشارات» إلى الحجار، مع كتابين وجّهتهما القاضية عون إليه خلال أسبوعين، تطلب فيهما معلومات عن هذا الحساب الذي يكشف أسماء المستفيدين من الأرباح الوهمية التي نتجت عن عمليات بيع وشراء سندات خزينة وشهادات إيداع وعمليات أخرى مختلفة، وقام الحاكم السابق بتوزيعها على مجموعة من المحظيين تحت عنوان «استشارات».
وأرسل منصوري المعلومات مباشرة إلى الحجار وليس إلى عون، امتثالاً لقرار المدّعي العام التمييزي بعدم التجاوب مع طلبات عون.
لكنّ السؤال الرئيسي والأهم هنا هو: لماذا سار رياض سلامة بنفسه إلى المقصلة بعدما نجح منذ عام 2020 باجتياز كل الاتهامات الداخلية والخارجية الموجّهة إليه وما تبعها من أحكام قضائية أوصلت إلى إدراج اسمه على لائحة المطلوبين من الإنتربول الدولي؟
تشير المعلومات إلى أن سلامة حسم قبل أيام أمر حضوره جلسة الاستماع التي دعاه إليها الحجار في قصر العدل أمس، بعد مشاورة وكيله القانوني الذي أبلغه أن الملف الذي يحقّق فيه الحجار «فاضي»، بالإضافة إلى رغبة القاضي بالاستماع إليه بصفة شاهد وليس كمُدّعى عليه. ويبدو أن سلامة كان مطمئناً إلى عدم توقيف القاضي حجار له، وراغباً بإبداء تعاون يخرج منه «بطلاً» بظهوره أمام الرأي العام وقدومه بنفسه إلى قصر العدل للإدلاء بشهادته رغم ادّعاء الدولة اللبنانية ممثّلة بهيئة القضايا عليه. وتؤكد المعلومات أن الحاكم السابق لم يتلقَّ تطمينات سياسية أو قضائية قبل ذهابه ولم يشاور أياً من المرجعيات ولم يستمع إلى نصائح المقرّبين منه بعدم الذهاب، لا بل قرّر المثول أمام القاضي من دون حضور محاميه حتى. ويبدو أنه خلال استماع الحجار له واستجوابه وقع على معطيات تقود إلى توقيفه على ذمة التحقيق إلى حين اكتمال المعطيات كاملة، الأمر الذي لم يحسب له سلامة حساباً. وتؤكد مصادر قضائية أن سلامة تعهّد أمام القاضي بإبراز مستندات تثبت براءته خلال الأيام الأربعة المقبلة وهي المدة القانونية للتوقيف على ذمة التحقيق، قبل أن يتم اقتياده مكبّلاً إلى أحد مقرات قوى الأمن الداخلي.
ولا شكّ في أن مشهد سقوط رياض سلامة يوم أمس لم يكن ليحصل لولا قرار جريء اتّخذه النائب العام التمييزي، لعلمه مسبقاً بما سيترتب على هذا القرار تبعاً للحماية السياسية التي رافقت سلامة خلال ولايته وبعدها. وهو قرار لم يجرؤ من سبقوه ومن وصل إليهم الملف (باستثناء القضاة غادة عون وهيلين إسكندر وجان طنوس) على اتخاذه، لا بل دأب معظمهم على فعل كل ما في وسعهم لإغلاق الملف وإفراغه وإيجاد كل السبل القانونية لتنويمه وصولاً إلى قتل الأمل لدى غالبية اللبنانيين حول إمكانية محاسبة سلامة المتورط بجرائم اختلاس أموال وتبييضها وإثراء غير مشروع وسوء استخدام السلطة والتزوير وتشكيل عصابة أشرار.
وأكدت مصادر متابعة لـ”النهار” أن التحقيق مع سلامة، ربط بين ملف شركة “أوبتيموم” ونتائج تقرير “ألفاريز آند مارسال” الذي أشار إلى وجود عمولات غير مشروعة دفعها مصرف لبنان من حساب الإستشارات عبر سبعة مصارف، منها ستة مصارف لبنانية ومصرف سويسري، في فترة ما بين 2015- 2020 بقيمة 111.3 مليون دولار لأطراف لم تتمكن “ألفاريز” من تحديدها، وهي النقطة المحورية التي يدور حولها التحقيق.
وكانت القاضية غادة عون قد تابعت التحقيق في هذا الملف منذ أكثر من عام، ولم تتوصل إلى الإحاطة بالحقائق والتفاصيل التي خلص إليها القاضي حجار، بناء على ما أجراه من تحقيق وقراءة معمقة للوثائق والمستندات التي زوده بها مصرف لبنان بناء على طلبه. ووفق المصادر نفسها “فإن توقيف سلامة هو إجراء تقني بحت، وبعيدٌ عن أي إستهداف أو إستغلال سياسي. وكذلك لا دخل لتوقيفه بملف عمولات “أوبتيموم” التي قيل أنها بلغت 8 مليارات دولار، التي لم يصل التحقيق فيه إلى نتيجة، ويتركز التحقيق حالياً حول عمولات الإستشارات حصراً.
وعلّل حجار قراره بأن “الخطوة القضائية التي اتخذت بحق الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة هي إحتجاز إحترازي ومفاعيلها لمدة أربعة أيام على أن يحال في ما بعد من قبل استئنافية بيروت إلى قاضي التحقيق الذي يستجوبه ويتخذ القرار القضائي المناسب بحقه ومن ضمن هذه الإجراءات قد تكون مذكرة توقيف وجاهي”. وأوضح أن سلامة نقل الى نظارة المديرية العامة لقوى الأمن “نظراً إلى وضعه أمنياً وصحيا”. ورفض الحجار الافصاح عن أسباب التوقيف واكتفى بالقول إن توقيفه تم بملف له علاقة بعمله في المركزي.
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة أوبتيموم إنفست”اللبنانية رين عبود إن الشركة لم تستدع إلى جلسة أمس في ما يتعلق بتعاملاتها مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الذي جرى توقيفه لجرائم مالية مرتبطة بالشركة. وأضافت عبود لـ”رويترز” أن الشركة سمعت بتوقيف سلامة من وسائل الإعلام وإنها أجرت تدقيقاً مالياً في وقت سابق هذا العام لتعاملاتها مع مصرف لبنان المركزي ولم تجد أي دليل على ارتكاب الشركة أي مخالفات.
وكتبت ” البناء”: كان البعض أشدّ حذراً مشككاً بالخطوة متسائلاً عما إذا كانت استباقاً لمعلومات عن مذكرة توقيف دولية بواسطة الانتربول بحق سلامة أصدرتها دولة أوروبية تلزم لبنان بتسليمه، بينما توقيفه من القضاء اللبناني يجعل ملفاته ومحاكمته تقع في عهدة القضاء اللبناني وتحجب طلبات التسليم.
وكتبت ” اللواء”: تأتي هذه الخطوة في وقت يسعى فيه حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري الى عدم ادراج لبنان على اللائحة الرمادية.
وحسب مصدر مصرفي متابع فإن هذه الخطوة من شأنها ان تساهم في مساعدة لبنان في تجنب قطوع اللائحة الرمادية.
وكتبت” الديار”: طرح توقيف سلامة مجموعة من علامات الاستفهام، وبخاصة حول التوقيت وما اذا كان بهدف حمايته من توقيف على صعيد اوروبي، او انه حقيقة تم رفع الغطاء عنه ما سيؤدي الى تساقط احجار الدومينو تباعا.
واعتبرت مصادر مواكبة للملف انه «لا يجوز استباق ما يحصل او التعاطي معه بخفة»، لافتة الى ان «التشكيك في ما قام ويقوم به القاضي الحجار غير مقبول.
ورأت المصادر انه «يفترض ان نكون واقعيين في قراءة التطورات، بحيث ان من يعتقد ان سقوط سلامة سيعني سقوط كل المتورطين من كبار السياسيين والمسؤولين، واهم».
واشارت المعلومات الى ان «التحقيق مع سلامة تناول ملف شركة اوبتيموم والعقود التي ابرمت بين مصرف لبنان والشركة، لجهة شراء وبيع سندات خزينة، ولشهادات إيداع بالليرة وحصول الشركة على عمولات».
وكشف مرجع قضائي لـ«الشرق الأوسط» عن أن الحجار «استجوبه على مدى ثلاث ساعات حول شبهات تتعلّق باختلاسات من مصرف لبنان، وفي نهاية الجلسة اتخذ القرار بتوقيفه، وجرى نقله فوراً ووسط حراسة أمنية مشددة إلى سجن قوى الأمن الداخلي في الأشرفية».
وأكد المرجع القضائي أن «سلامة حضر إلى مكتب القاضي الحجار من دون محامٍ، وسأله الأخير عمّا إذا يريد مثول محامٍ معه فأجاب بأنه يتنازل عن حضور محامٍ، فبدأت جلسة الاستجواب التي انتهت بقرار التوقيف».
وعبّرت مصادر مواكبة لما حدث عن اعتقادها بأن هذا القرار «يشكّل بداية لمسارٍ قضائي في ملفات مصرف لبنان وكافة المصارف الأخرى». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أنه «عندما تبدأ التوقيفات بشخص رياض سلامة الذي يحظى بحمايات سياسية، فيعني أنه لا مظلّة فوق أحد، وأن الملاحقات ستشمل كلّ متورّط في اختلاس أموال عامة أو أموال خاصة تعود للمودعين»، مشيرة إلى أن هذه القضية «دخلت مساراً جديداً لا يمكن وقفه أو عرقلته، وأن قرار التوقيف مستند لأدلة وقوية وصلبة وبعيدة عن الارتجال؛ لأن ما يتوخاه النائب العام التمييزي المصلحة العامة ومصلحة الناس وليس أي اعتبار آخر».
ويعود ملفّ أوبتيموم إلى فترة ما بين 2015 و2018، حين باع مصرف لبنان شركة «أوبتيموم» سندات دين عام، ثم قام بشرائها في اللحظة نفسها بأسعار أعلى. وقد نتجت عن هذه العمليّات أرباح بقيمة 8 مليارات دولار، لم تتّضح هويّة المستفيدين منها بعد.