ذكرت صحيفة “The Guardian” البريطانية أنه “الآن، وبعد أن استقرت الأمور، حرفياً، بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، فمن الأهمية بمكان أن نسأل ما إذا كان هذا الاتفاق سوف يدوم. في عام 2006، خاض حزب الله وإسرائيل قتالاً شرساً لأكثر من شهر لأسباب لا تختلف كثيراً عن سياق اليوم. فمن خلال شن غارات عبر الحدود ضد القوات الإسرائيلية، سعى حزب الله إلى تخفيف بعض الضغوط على حماس، التي كانت تقاتل إسرائيل في غزة، ولكن العملية أتت بنتائج عكسية، فأشعلت فتيل صراع مدمر. وفي الداخل، تعرض حزب الله لانتقادات شديدة من قِبَل أغلب المجتمع اللبناني بسبب قراره الأحادي الجانب، ولكن كما هي الحال دائماً، أفلت من المساءلة بفضل بنادقه”.
وبحسب الصحيفة، “في حرب الـ2006، أدى مزيج من التعب العسكري والافتقار إلى استراتيجية للخروج والضغوط الدولية بقيادة الولايات المتحدة إلى إنهاء الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله في 14 آب، ومع ذلك، لم يتم وضع خطة محكمة لمنع تكرار القتال. لقد دعا قرار الأمم المتحدة رقم 1701 إلى اتخاذ كل الإجراءات الصحيحة: نشر الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، وانسحاب الجيش الإسرائيلي وحزب الله من نفس المنطقة ونزع سلاح الأخير، ومع ذلك لم يتحقق أي من هذه الإجراءات تقريبًا. فقد انتهكت إسرائيل السيادة والمجال الجوي اللبنانيين بشكل منتظم، وأعاد حزب الله تسليح نفسه بسرعة وبنى بنية تحتية عسكرية واسعة النطاق في جنوب لبنان، ولم يتم نشر الجيش اللبناني قط، ولم تُمنح قوات الأمم المتحدة سوى تفويض رمزي”.
وتابعت الصحيفة، “من حيث المبدأ، لا يختلف وقف إطلاق النار الحالي بشكل كبير عن القرار 1701، ومن المتوقع أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان مع سحب حزب الله لمقاتليه وأسلحته من منطقة الحدود على مسافة عشرين ميلاً تقريباً إلى الشمال من نهر الليطاني. وسوف يترتب على ذلك هدنة مدتها ستون يوماً، وخلال هذه الفترة سوف ينشر الجيش اللبناني نحو خمسة آلاف جندي على الحدود وينضم إلى قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وخلال هذه المرحلة الانتقالية سوف يتفاوض لبنان وإسرائيل، بمساعدة دولية، على القضية الحيوية المتمثلة في ترسيم الحدود البرية بهدف إزالة مصدر مهم للاحتكاك بينهما. يبدو الأمر مألوفاً، أليس كذلك؟ فحزب الله لم ينزع سلاحه، ويحتفظ بقدرة قتالية كافية لإيذاء إسرائيل ومنع سكانها في الشمال من العودة إلى ديارهم، كما تتمتع إسرائيل بالضوء الأخضر من الولايات المتحدة لمهاجمة الحزب كلما رأت ذلك ضرورياً، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت أدوار الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة ستكون أكثر فعالية هذه المرة”.
وأضافت الصحيفة، “بعض المراقبين سوف يشيرون إلى حقيقة مفادها أن آلية مراقبة جديدة وأكثر قوة، حيث تعمل الولايات المتحدة وفرنسا كحكمين، سوف تجعل العودة إلى استخدام السلاح بين إسرائيل وحزب الله أقل احتمالاً. والواقع أن مثل هذه القوة الدبلوماسية التي تدعم الاتفاق قد تكون مفيدة، ولكن من غير المؤكد أنها سوف تشكل عاملاً حاسماً أو تحويلياً. والواقع أن البنية الدبلوماسية المعززة للقرار 1701 ليست السبب الحقيقي وراء اختلاف الأمور هذه المرة، بل إن البيئة الاستراتيجية برمتها تغيرت إلى حد كبير لصالح إسرائيل، بسبب آلتها العسكرية التي لا هوادة فيها ودعم الولايات المتحدة غير المشروط تقريباً. ولم تستخدم إسرائيل قوتها العسكرية على هذا النحو من قبل قط، كما ولم يسبق لواشنطن أن قدمت لها مثل هذا الدعم غير المشروط”.
وبحسب الصحيفة، “إن حزب الله وحليفته إيران لن يعترفا بذلك أبداً، ولكنهما تعرضا لنكسة استراتيجية. كان هدفهما ربط كل ساحات المعارك الإقليمية التي تمتلك إيران نفوذاً فيها من أجل استنزاف إسرائيل وإخضاعها، ولكن إسرائيل نجحت في منع هذا الهدف من خلال القوة الغاشمة. حتى وقت قريب جداً، كان شرط حزب الله لوقف هجماته هو أن تنهي إسرائيل حملتها ضد حماس،ولكن بموافقته على شروط وقف إطلاق النار، الذي يفصل بوضوح بين لبنان وغزة، تخلى حزب الله في الأساس عن حماس ومعها مفهوم الترابط الاستراتيجي، على الأقل في الوقت الحالي. لم يتوصل حزب الله إلى هذا الاستنتاج بمفرده، فقد رأت إيران كيف كان حليفها يتعرض للضرب المبرح من قِبَل إسرائيل، ومثلها كمثل ملاكم جيد، ألقت المنشفة في الحلبة لمنع ملاكمها من السحق”.
ورأت الصحيفة أنه “بطبيعة الحال، لا يعني أي من هذا أن إسرائيل حققت نصراً دائماً، أو أن إيران لن تجد طريقة لإعادة تأهيل شبكتها الإقليمية من الفصائل المسلحة. ولكن هذه المرة، ونظراً لحجم الضرر الجسدي والنفسي الذي ألحقته إسرائيل بخصومها، فإن الأمر سيستغرق وقتاً أطول بكثير من ذي قبل. كما يتعين على إيران التي تخشى المخاطرة أن تفكر مرتين في الكيفية التي قد تتفاعل بها إسرائيل حتى مع محاولة إحياء استراتيجيتها الإقليمية.سوف يواصل الرئيس المنتخب دونالد ترامب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، لكنه سيعود إلى المكتب البيضاوي في كانون الثاني برغبة في إنهاء الحروب في الشرق الأوسط. وإذا كان هدفه هو التعجيل بإبرام اتفاق سلام مع عزل إيران وحلفائها، فلا توجد طريقة أفضل لتحقيق ذلك من توسيع اتفاقيات إبراهيم”.
وختمت الصحيفة، “إن توسيع اتفاقيات إبراهيم من شأنه في نهاية المطاف أن يمنح الفلسطينيين دولة مستقلة ويؤدي إلى تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية والدولة اليهودية. وسوف يكون هذا النوع من السلام أقوى وأطول أمداً من أي رادع مؤقت قد تخلقه إسرائيل من خلال القوة العسكرية”.