يواجه التيار الوطني الحر في المرحلة الراهنة تحديًا جديًا سيستمر حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، تحدٍ مركّب يحمل في طياته أبعادًا سياسية وشعبية في آن. فمن جهة، يجد التيار نفسه معزولًا نسبيًا عن المشهد السياسي الواسع نتيجة تفكك التحالفات التي كان يرتكز عليها سابقًا، ومن جهة ثانية، تتراجع شعبيته بشكل ملحوظ منذ نهاية عهد الرئيس ميشال عون، ما يفرض عليه تحركًا عاجلًا لإعادة التموضع.
سياسيًا، تبدو مشكلة التحالفات إحدى أكثر التحديات إلحاحًا. فقد خسر التيار تدريجيًا معظم شركائه السياسيين، إما نتيجة خلافات مباشرة أو بسبب تبدل الاصطفافات. ولكي يتمكن من خوض الاستحقاق النيابي المقبل بحد أدنى من التوازن، عليه الشروع فورًا في ترميم هذه العلاقات، وفتح صفحات جديدة مع القوى التقليدية كافة، من دون استثناء. فالوقت يداهم الجميع، والمشهد الانتخابي المقبل سيتّسم بحساسية شديدة، ما يحتّم على التيار أن يبرع في فن تدوير الزوايا، بعيدًا عن أي عناد سياسي.
أما شعبيًا، فالصورة لا تقلّ تعقيدًا. إذ أن التيار يعاني من تراجع واضح في التأييد الشعبي، وهذا تراجع بدأ مع خيبات مرحلة العهد، واستمر في التفاقم مع الازمة الاقتصادية وسياسية مرّت بها البلاد. غير أن المفارقة اليوم أن التيار بات في صفوف المعارضة، وهذه فرصة نادرة قد تسمح له بإعادة بناء صورته، وتقديم خطاب مختلف عن ذاك الذي لازمه خلال مرحلة الحكم.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سينجح التيار في التقاط هذه الفرصة؟ هل سيتمكن من صياغة خطاب جديد أكثر تواضعًا، أكثر انفتاحًا، وأقل استفزازًا للرأي العام؟ أم أنه سيبقى أسير اللغة التصعيدية التي أضعفت حضوره الشعبي، ونفّرت شريحة واسعة من اللبنانيين؟
الجواب على هذا التحدي لن يُحدّد فقط حجم التيار النيابي في البرلمان المقبل، بل ربما يحدد مستقبله كقوة سياسية فاعلة في لبنان. فإما استنهاض مدروس وسريع، أو استمرار في التراجع والعزلة.
وتتجه الانظار الى الكلمة التي سيقولها رئيس التيار النائب جبران باسيل مساء اليوم في الذكرى العشرين للإنسحاب العسكري السوري.