حصارٌ مزدوج… من يجرّ لبنان نحو الانفجار؟

28 يونيو 2025
حصارٌ مزدوج… من يجرّ لبنان نحو الانفجار؟


لا يبدو التصعيد الإسرائيلي الأخير على الساحة اللبنانية منفصلًا عن السياق الإقليمي والدولي الأوسع. فمنذ انتهاء المواجهة العسكرية بين اسرائيل وإيران بدأ مشهد جديد بالتشكّل، تَقدّم فيه لبنان ليكون ساحة ضغط مزدوج، تُستخدم فيها الأدوات كافة؛ من الغارات الجوية، إلى التشويش الاقتصادي، وصولاً إلى الحصار السياسي المتزايد.

وبحسب مصادر مطّلعة، فإن التصعيد لا يُبنى على ردّ فعل آني، بل على استراتيجية تستند إلى عاملين أساسيين: الأول ميداني يرتبط برصد أهداف تعتبرها تل أبيب ذات قيمة عملياتية، والثاني سياسي يتصل بحاجة الأميركي إلى فرض إيقاع تفاوضي جديد، يكون العنف فيه عنصراً من عناصر الإخضاع.

لكن الضغوط لا تأتي من الخارج وحده. فداخلياً، تشهد الساحة اللبنانية تحوّلات لافتة مع تزايد النشاط السياسي والإعلامي في اتجاه محاصرة “حزب الله” من زوايا متعدّدة، إذ برزت في الآونة الأخيرة إعادة تموضع واضحة لبعض القوى المحلية، تحاول استثمار لحظة الإرباك الإقليمي لإعادة رسم أدوارها في الساحة اللبنانية، سواء عبر رفع سقف الخطاب ضد “الحزب” أو من خلال المزايدة على قضايا معيشية وخدماتية تُستخدم كغطاء لصراع أعمق.

في موازاة ذلك، تتكثف الحملات المنظّمة والتي تستهدف بشكل مباشر موقع “الحزب” داخل البنية السياسية والاجتماعية، وهذه الحملة المتعدّدة الأوجه لم تعد مجرد نقد أو مساءلة، بل تحوّلت إلى أداة سياسية في مشروع أوسع يسعى إلى إعادة تكوين المشهد الداخلي بالكامل، عبر عزل “الحزب” وتحجيم نفوذه ضمن بيئته أولاً وعلى المستوى الوطني لاحقاً.

في هذا السياق، يبرز خطر حقيقي من انزلاق المشهد الداخلي نحو موجات توتر تتجاوز الإطار السياسي. فاستمرار الضغوط المتصاعدة على “حزب الله” ومحاولة عزله عن امتداداته السياسية والشعبية، من دون تقديم أي مخرج تسووي موازٍ، يهدّد بخلق بيئة خصبة لانفجار متداخل. حيث أنّ ما يُمارس اليوم لا يُختزل بحصار مالي أو حملات إعلامية، بل يتّخذ منحى أقرب إلى محاولات الاجتثاث المنهجي. وفي ظل هذا المناخ، ترتفع المخاوف من تفلت أمني في مناطق حسّاسة، سواء نتيجة احتجاجات غير منضبطة، أو احتكاكات ميدانية تخرج عن السيطرة. ومع غياب أي صمّام توازن داخلي، يصبح كل تصعيد قابلًا للتمدد سريعاً خارج السقف السياسي المألوف.

في المقابل، لا تزال المنطقة تعيش على وقع تصعيد متنقّل. فكلّما خفّ التوتر في جبهة، اشتعلت أخرى. ولعلّ هذه الدورة لم تتوقّف منذ سنوات، لكنها اليوم أكثر تماسكاً واتساقاً مع مشروع سياسي يتجاوز التسويات الكلاسيكية، ليبلغ حدّ السعي إلى فرض تسليم كامل بشروط المنظومة الدولية. 

وعلى ضوء ذلك تُقرأ الغارة الأخيرة على الجنوب، إذ تفيد المعلومات بأن تنفيذها جاء استناداً إلى معطى استخباري محدّد، ما يرجّح كونها جزءاً من سياق أوسع لضرب ما تبقّى من هوامش الردع، وتكريس واقع جديد على الأرض.

هذا المشهد لا يُقاس بحجم الغارات ولا بنبرة الخطابات، بل بالضغط المتعدد الاتجاهات الذي يُطبَّق بتدرّج. فالمعركة لم تعد عسكرية فحسب، بل باتت ذات طبيعة مركّبة؛ سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وإعلامية. وفي الوقت الذي يُراد فيه إخضاع “حزب الله” بالعزل والخنق، يُفتح الباب على سيناريوهات أمنية غير مضمونة العواقب.

ومع غياب التوازن الداخلي، واستمرار التواطؤ الإقليمي مع منطق الإقصاء، يصبح السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان الانفجار آتٍ، بل كيف سيبدأ، وهل سيتجاوز الجميع القدرة على احتوائه.