إنها حرب تجارة المخدرات إذن، ثمانية جرحى في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، في بيروت، ودمار مُشاهد، نتيجة اشتباكات مسلّحة بين عصابات تجارة المخدرات مرّة، وبين هذه العصابات واللجنة الأمنية مرة أخرى. لم يعد تجار المخدرات مجرّد موزعين، يتستّرون بعتمة الليل لإتمام عملياتهم. ولم يعد المخيم حدودهم، بل عبروا بموادّهم القاتلة إلى الكثير من المناطق اللبنانية.
خمر ورصاص
منذ عام على الأقل، تحوّلوا إلى مافيا منظمة، تتضامن فيما بينها عند أي إشكال مسلّح. تعرف أهدافها، وتتوحّد عند استهدافها، كما جرى حين ثار سكان مخيم شاتيلا ضدها قبل حوالى شهرين. تستخدمها مافيات أوجدتها من خارج المخيمات، يدخل بعض رموزها نهاراً إلى المخيم، ليجتمعوا برؤوس المافيا داخله. ويكشف مصدر فصائلي لـ”المدن” أن بعض هذه الوجوه التي تأتي للمخيمات هم أبناء مسؤولين يحظون بموقع متقدم داخل المؤسسات اللبنانية الحاكمة.
يروي المصدر الفصائلي لـ”المدن” تفاصيل الإشكال المسلّح بين مجموعة من تجار المخيمات واللجنة الأمنية في مخيم برج البراجنة، الممثلة بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، من دون التحالف. الاشتباك امتد لأربع ساعات، ما بين الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل والرابعة فجراً. ويقول المصدر إنه عند الساعة الحادية عشرة، دخل شابان مخمورين إلى مخيم برج البراجنة، ووضعا فوهة المسدّس على رأس أحد قادة حركة “فتح”، من دون سبب مباشر، ثم أطلقا النار نحو الأرض فأُصيب أحد المارّة بقدمه إصابة طفيفة.
هذا الأمر استفزّ عناصر الحركة، المتواجدين بالقرب من المكان، فأبرحوا ضرباً الشابين، وعندما حاول أحدهما الفرار، أطلقوا النار عليه، فأصابوه بقدمه. توجه المصاب الذي يعمل لدى أحد تجار المخدرات، إلى هذا التاجر ويُدعى (ن.ع.)، الذي حمل بندقيته وتوجّه إلى أحد مراكز “فتح” مطلقاً النار بشكل عشوائي فأُصيب عنصر بكتفه (و.د). ثم لاذ بالفرار محتمياً ببيت تاجر مخدرات آخر يُدعى (ح.س). ودارت اشتباكات استُخدمت خلالها آلاف الطلقات، كما قام التجار المحاصرون برمي حوالى خمس قنابل يدوية. كما أُصيب خلال الاشتباك شخص آخر عن طريق الخطأ.
عشرة تجار مخدرات
ويؤكد المصدر الفصائلي المنتمي لقوى التحالف الفلسطيني أن “فتح” لم تستخدم الأسلحة المتوسطة، بل اكتفت بإطلاق الرصاص. وبعد مفاوضات شاركت فيها كل الفصائل الفلسطينية، اتُفق على ضرورة تسليم التاجرين نفسيهما للجنة الأمنية، وهو ما حصل، على أن يُعمل على اعتقال بقية تجار المخدرات في المخيم، والذين يُقدّر عددهم بحوالى عشرة تجار. ويؤكد المصدر الفصائلي أن العدد الذي كان محاصراً ربما أكثر من اثنين، لأن كثافة النيران المنطلقة من المكان المحاصر توحي بذلك.
في مخيم شاتيلا كذلك أصيب أربعة أشخاص على خلفية اشتباك استمر لدقائق بين تجار مخدرات. وكان المخيم شهد حراكاً شعبياً واسعاً قبل حوالى شهرين، بهدف وضع حدّ لتجارة المخدرات. وتوجّه المنتفضون وقتها إلى خيمة رئيسية يرتادها هؤلاء التجار، وقاموا بإحراقها. ويقول أحد قادة الحراك في حديث لـ”المدن”، إن من أسباب عدم وصول الحراك إلى نتائج كان يرجوها هو “اختراق تجار المخدرات لعدد من الفصائل التي لعبت دوراً سلبياً في إجهاض الحراك”.
المافيا والحراك الشعبي
مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني في بيروت، التابع لحركة “فتح”، يوسف غضية يؤكد في حديث لـ”المدن”، أن الفصائل الفلسطينية جادّة هذه المرة في اعتقال كل تجّار المخدرات “ولن نسمح بالتراخي في هذا الموضوع. فاتفاقنا كفصائل وروابط أهلية واضح باعتقال هؤلاء. وسوف يتم تسليم هؤلاء التجار إلى السلطات اللبنانية كما ينص الاتفاق. إننا لا نتعرّض للمتعاطين بالسجن، بل عادة نُدخلهم مصحّاً لمعالجتهم. فلم يكن مرة هدفنا العقاب، بل العلاج. لكن للأسف صار هناك مرض اجتماعي يؤذي المجتمع كله، بسبب تمادي تجّار المخدرات. وقد أخذنا عهداً أن لا نسمح بذلك، وما جرى الليلة دليل على ذلك”.
في حديثه لـ “المدن” يلفت المصدر الفصائلي إلى عدة أمور، أولها أن تجار المخدرات لم يعودوا يحظون بأي غطاء من أي جهة رسمية لبنانية، كما كنا نعتقد من قبل، “وكان سبب اعتقادنا هو تجوالهم الحر خارج المخيم فيما مضى، وفي حال القبض عليهم ما كانوا يتلقون أحكاماً تناسب الجرم الذي ارتكبوه”. ويضيف المصدر أن “تجار المخدرات كانوا في السابق يوزعون بضاعتهم على زبائنهم في المخيمات فقط، أما اليوم ففي المناطق المجاورة للمخيم. وهذا قرار يظهر أنه اتُخذ من قبل المافيا المشغّلة خارج المخيم، للتغطية على أعمالها. أما المسألة الثالثة فإن تجار المخدرات، كانوا موزِّعين في الماضي، وكانت حالتهم المادية يُرثى لها، أما اليوم، فإنهم أصحاب ثروات حقيقية”.
الحراك الشعبي في مخيم برج البراجنة للمطالبة بلجنة أمنية موحّدة، لم يتوقف، وتتصدّره الروابط الأهلية والفاعليات الشبابية. وهي تعقد اجتماعات شبه يومية لتحقيق هدفها، وتلتقي بقيادات الساحة الفلسطينية في لبنان. وتهدد بتصعيد تحرّكاتها شعبياً “من أجل لجنة أمنية موحّدة يقف الجميع تحت سقفها”. وهناك من يذهب إلى أن انتشار المخدرات له جانب سوسيولوجي أيضاً، إذ إن بعض اللاجئين الفلسطينيين يحاول التغلب على قلقه وغياب المعنى في حياته، نتيجة وقوفه على هامش القضية الفلسطينية في العقود الأخيرة، من خلال تعاطي المخدرات وصولاً للتجارة بها.