حتى من حضر للاعتراض ومحاولة حرق الخيمة، لم يكن يعلم ماذا قيل فيها. ولم يعرف إذا كانت مشاركته في هذه الغزوة “المجيدة” بسبب تلفظ كلمة دولة إسرائيل من عدمها. حتى أن اللغط طال جميع المتجمعين في الساحة، سواء من أتى لحرق الخيمة بمن فيها أو من أتى للدفاع عنها. فالجميع كان يتحدث أن السفير السابق هشام حمدان هو من قال “دولة إسرائيل” ولم يقل عنها دولة الكيان الغاصب وخلافه. بينما وقائع الجلسة تثبت بما لا يدع الشك أن ما شيع غير صحيح ومن حضر أتى للتخريب فحسب. فالكلمة لم تصل حتى إلى السفير السابق، إذ عملت الصبية اليسارية المجهرية على تطيير الجلسة، حتى قبل أن يكمل مقدم النقاش كلامه. وقال الأخير حرفياً، كما يظهر في شريط الفيديو، في معرض حديثه عن التحديات التي تواجه لبنان أنه “يوجد صراع مع عدو يتربص بنا منذ تأسيس دولة إسرائيل”. لكن وبعد أن أكمل كلامه لدقائق عدة، أتت التعليمات لتطيير الجلسة فهب بعض الحاضرين هاتفين “يا فلسطين نحنا معاكي للموت”، وعلت الهتافات والصرخات وجرى هرج ومرج وصل الى حد استدعاء جحافل يسارية للقضاء على الخيمة و”وكر الجواسيس والعملاء”.
فأحد الغاضبين اليساريين راحت به مخيلة التحريض إلى القول إن أحدهم قال نريد التطبيع التجاري والاقتصادي مع إسرائيل كي يزدهر لبنان. وعندما حاولنا أن نستفسر منه إذا ما كان حاضراً على هذا الكلام الخطير كان رده: “لا لقد قالوا لنا أنه قال هذا الكلام”.
هذا الغضب المفتعل الذي انساق خلفه يساريون وشيوعيون، عوضاً، أو تكافلاً وتضامناً مع حزب الله وخطابه، يشي بأن ساحة اللعازارية لن تكون “للخونة والعملاء” كما راح يصدح المنفعلون على خطاب لم يسمعوه بل قيل لهم كذا وكذا. كما لو أن خيمة الملتقى التي عقدت نحو 35 جلسة حوارية عن النظام الطائفي والدولة المدنية والجامعة اللبنانية والفساد في قطاع الكهرباء والسياسات الاقتصادية والمالية، والتي فصلت وشرحت عمل المصارف والفساد والهدر وكل ما خرج من أجله اللبنانيون إلى الشوارع، باتت فجأة “وكراً صهيونياً”!
اللافتات التي ناهز عددها 16 لافتة، والحملة التي سبقت الندوة، تشي أن ثمة جهات تريد خطف الساحات العامة، وجعلها مطية لحزب الله، بعد أن فشل في إقناع حلفائه بالانسحاب من الساحات غداة دفاعه الشرس عن الحكومة والسلطة.
بعض الحاضرين حاولوا تهدئة الأمور معلنين للغاضبين أن السفير السابق أخطأ في عدم القول دولة العدو الاسرائيلي. وراحوا يدينون المنظمين على إقدامهم على عقد هذه الجلسة محتجين على عنوانها. لكن المحتجين لم يرضوا بهذا الكلام التهدوي وراحوا يشيعون ويروجون أن هذه الخيمة تستقبل خونة وعملاء وإسرائيليين. وهذا محض هراء، وخبث، ودليل قاطع على تربص حزب الله وأعوانه اليساريين بهذه الخيمة. ووفق شهود عيان، كان أول المعترضين والمهاجمين هم المجموعات التي زرعها الحزب في الساحتين في الأيام السابقة، قبل أن يلجأ بعض الشيوعيين للمزايدة عليهم، والمشاركة في التحريض وشتم ولعن ندوة أتى بعضهم إليها لتطييرها عن سابق إصرار وتصميم.
“اسمع يا صهيوني شعب بلادي لا ما بيركع”، هتفت الصبية بالمتجمهرين لحرق وتكسير الخيمة. هتاف وخطاب مستمد من لغة التخوين التي ينتهجها حزب الله وأعوانه. “لا نريد خطاب فيلتمان والأميركي” في ساحة الثورة، قال أحد صبية اليسار المجهري، الذي لا يزيد عدد المنتمين إلى مجموعته أصابع اليد الواحدة، فمن أين أتى بعشرات الشبان الشتامين؟ علماً أن هذه المجموعة خُوّنت منذ أقل من أسبوع عبر شرائط مصورة، قيل أنها مفبركة في الضاحية الجنوبية، واتهموها بأنها تأتمر لأميركا. ثم أكمل كلامه قائلاً: “من في الخيمة عميل وصهيوني ومندس”، مفرغاً جام غضبه على الذين حاولوا لجم غضبه شارحين له أن ما يشاع غير صحيح، وأن السفير السابق قال دولة العدو الإسرائيلي وليس دولة إسرائيل. لكن تقصد عدم الاقتناع، وراح يبرر أن عنوان الجلسة كلام منسوب لفيلتمان. وبالتالي، “لا نريد الخطاب الأميركي في ساحة الشرف”.
قالت إحدى السيدات الغاضبات على فعل هؤلاء الرعاع أن هذه الساحة للنقاش، ولن تكون لكمّ الأفواه، كما يريد أن يحولها هؤلاء الزعران. لكن الزعران كانت كلمتهم “سنحرق الخيمة اليوم أو غدا أو بعد غد… سنحرقها”.
حالت القوى الأمنية، حتى ساعة كتابة التقرير، دون إحراق الخيمة. لكن من الواضح منذ أيام، أن حزب الله سيطر على ساحة رياض الصلح واللعازارية، ولم يبق إلا ساحة الشهداء، التي تنتظر الساعات والأيام المقبلة للانقضاض عليها. وكل ذلك للدفاع عن السلطة ورموزها، التي خرجت الناس -بمن فيهم اليسار المجهري والشيوعيين- لاسقاطها.