يبدو أنّ السلطة اتّخذت قراراً لا رجوع عنه بفضّ اعتصام ثوار 17 تشرين في بيروت. مؤشرات هذا القرار عديدة، ومنها الأمني ذي الطابع التشبيحي. ما حصل على طريق عام فردان ليل أمس الأول، تكرّر ليل الأربعاء، لكن في سياق أكثر تنوعاً. فشهد جسر الرينغ مواجهات بين مجموعات من شبان منطقة الخندق العميق ومكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي. تخلّل الاشتباك رشق العناصر الأمنية بالحجارة، في عملية كرّ وفرّ معتادة، لم تنته إلا حتى ساعات متأخرة بإطلاق الغاز المسيل للدموع، لإعادة المهاجمين إلى زواريب خندقهم. كان هدف هؤلاء غزو ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وما بينهما في موقف العازارية، وترهيب كل من لا يزال يجرؤ على المشاركة في الثورة. بات واضحاً أن التشبيح والاعتداء على المتظاهرين وتخريب الأملاك العامة والخاصة من اختصاص زعران السلطة. طوال 55 يوماً من الثورة والانتفاضة، لم تحصل مشاهد التكسير والتخريب إلا في الساعات الأولى. وانتهت باعتقال العشرات. أما المخرّبين الفعليين فأحرار يهتفون بأسماء زعمائهم وطوائفهم.
قميص عثمان الـ“HUB”
تحولت خيمة “الملتقى” إلى قميص عثمان التخريب في ساحة العازارية. ومن منطلق التصدّي لـ”التطبيع”– اتهام زائف بالمناسبة- تحرّكت مجموعات منضوية في ثورة 17 تشرين بمؤازرة شبان الخندق لحرق الخيمة. مجموعة من الناشطين والناشطات عرّفت عن نفسها بأنها يسارية، ضد الإمبريالية وإسرائيل، تعمّدت قمع نشاطات مجموعات أخرى في الساحة. وكان التنسيق واضحاً بين هاتين المجموعتين بهدف التخريب، مع التلطّي المتواصل بعنوان “العداء لإسرائيل”. وهي حجة قديمة- جديدة يمكن الاستعانة بها لمنع أي نشاط أو تحرك ميداني أو ثقافي أو حتى حواري. وبعد محاولة عديدة، ألقوا قنابل مولوتوف بدائية ومفرقعات نارية لم تنجح مهمّتهم، فكان نصيب خيم أخرى الحرق، وسط انتشار كثيف لعناصر مكافحة الشغب.
جسر الرينغ مجدداً
وما لبثت أن انتقلت المواجهة من العازارية إلى محيط جسر الرينغ، على مداخل ساحة رياض الصلح. فأشعل شبان الخندق الإطارات ورموها على مدخل رياض الصلح، بالقرب من مبنى المركزية. وأمام شعار “شيعة شيعة” الذي ردّده هؤلاء، وقفت العناصر الأمنية سداً في وجه المهاجمين. لم تواجههم فعلياً ولم تعتقل أياً منهم. وهو ما يطرح مرة جديدة علامات استفهام عن سبب استخدام العنف الرسمي ضد ثوار 17 تشرين فقط. ففي حين يتم التعامل مع متظاهري الثورة بالشدة والقوّة والقمع، لم يتم توقيف أي من المخرّبين والمعتدين الفعليين على القوى الأمنية والمتظاهرين في مناسبات عديدة، خلال غزوات ساحات الاعتصام والرينغ والأشرفية. وكان لافتاً في اشتباكات ليل الأربعاء، أنّ الجيش لم يتدخّل واكتفت مكافحة الشغب في مواجهة المخلّين بالأمن. وفي ذلك مؤشر سياسي واضح.
مسيرة ضد القمع
لم تكتمل غزوة الساحتين مساء الأربعاء. وفي شوارع بيروت كانت الهتافات قد عادت بقوّة ضد رئيس مجلس النواب، نبيه بري. فاعتداء عناصر حماية رئيس مجلس النواب على المتظاهرين ليل الإثنين- الثلاثاء لم يمرّ مرور الكرام عند مئات المتظاهرين. فأكد هؤلاء، في مسيرتهم، على حقّهم في التظاهر والتعبير وتصويب سهام الاتهامات ضد كل الطبقة السياسية وأحزابها وزعمائها. وعلى الرغم من التهويل والتشبيح الحزبي المتّبع لردع حركات مماثلة، تحّرك ثوار 17 تشرين مجدداً وهتفوا: “حرامي حرامي، نبيه بري حرامي”. وكرّت سبحة الهتافات ضد بري وغيره من زعماء السلطة. ففي ذلك وحده تأكيد على شعار “كلن يعني كلن”. وكانت هذه المسيرة محرّكاً إضافياً لتحرّك شباب الخندق.