حسان دياب لحكومة 8 آذار.. أو الفتنة الأشدّ

19 ديسمبر 2019
القوى السياسية تخيّر اللبنانيين بين إعادة إنتاج سلطتها أو الفوضى (الإنترنت)
القوى السياسية تخيّر اللبنانيين بين إعادة إنتاج سلطتها أو الفوضى (الإنترنت)
beirut News

تتهافت السياسة وأركانها في لبنان. لم تصل الممارسة السياسية إلى هذا الدرك السحيق من قبل. تهافتها من تهافت السياسيين، الذين يعكسون تخبطاً لا مثيل له في أدائهم. مسؤولون يستفيقون على انفجار اجتماعي يتطور إلى انتفاضة شعبية ثورية. بعضهم أنكرها في البداية كرئيس الجمهورية، وحزب الله، والتيار الوطني الحرّ، وحركة أمل. وبعضهم الآخر أراد الالتحاق بها كالقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. رئيس الحكومة سعد الحريري كان في حالة الإنكار بداية، ليعود ويتماشى مع طروحات الناس ومطالبهم فتقدم بإستقالته، والتحق بعض جمهوره بالتظاهرات، ظنّاً منه أنه قادر على الاستفادة منها لتقوية رصيده، فعاد مرشحاً فاوض على تكليفه، ليعود مجدداً ويعتذر ويعلن انسحابه.

بورصة الأسماء
حالة الضحالة التي اعترت مفاوضات تشكيل الحكومة وتكليف رئيسها، ربطاً بحرب البيانات والحملات والردود عليها، تتجلى في الابتعاد كل  البعد عن مطالب اللبنانيين. في الوقت الذي كان الحريري يبحث عن كيفية توفير عودته، كان رئيس الجمهورية يستقبل الوزير السابق حسان دياب لإبرام اتفاق معه على تشكيل الحكومة. وضع عون دياب خياراً احتياطياً تحسباً لقرار الحريري. كان الحريري قبل الظهر قد تواصل مع حزب الله وبري وأبلغهم عدم قدرته على التراجع والقبول بشروط عون، خصوصاً أن الأخير كان يقول إذا الحريري وضع شرط استبعاد باسيل من الحكومة فأنا لا أريده رئيساً.

خلال تواصل الحريري مع حزب الله، نصحه الحزب باختيار اسم، وعرض عليه اسمي خالد قباني وحسن منيمنة. لكن الحريري رفض تسمية أحد منهما. حينها اعتبر الحزب أن الحريري لا يريد تسمية أي شخص. وهذا ما سيكون عليه موقف كتلته، مع استبعاد تسميته لنواف سلام. وعلى هذا الأساس، أصبح خيار حسان دياب هو الخيار الوحيد بين الحزب وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ. وعندما سئل الحريري قال إنه لا يستطيع أن يسميه. ولكنه قد يكون ملائماً بالنسبة إلى قوى 8 آذار خصوصاً إنه من بيروت، وأستاذ في الجامعة الأميركية ولا ملفات مشبوهة عليه. وبالتالي، قد يرضي “الحراك”. واعتبر الحريري أنه إذا ما نجح دياب الذي قد يحصل على 60 صوتاً بتشكيل حكومة جيدة، قد يمنحه الثقة. بينما يستبعد خصومه إمكانية إيفائه بهكذا التزام. بل قد يتحرك الشارع ضد دياب مجدداً. وقد يتم التلويح ضده بمسألة الميثاقية والضغط عليه سنياً لإسقاطه. وهناك من يصر على أن الحريري نادم على الاستقالة. ولم يسم أحد لأنه لا يريد لغيره أن يكون رئيساً للحكومة، ما يترك الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.

فقدان البصيرة
كل الفرقاء يبحثون عن كيفية العودة، إلى ما قبل 17 تشرين الأول. دخل الحريري في مبارزة شعبوية مع جبران باسيل لعلّها تحسّن فرص عودتهما. الرجلان يتعاطيان من مبدأ أنا أو لا أحد، لكنهما خارج حسابات الناس، كما الحال بالنسبة إليهما إذ لم يضعا الناس في حساباتهما. يبحثان عن التفاصيل ويدوران حولها. وحزب الله فوقهما يأخذ ما يجري بنظرية استراتيجية، ضمن معركة المحور الممانع. لذلك كان الأحرص على إنتاج التركيبة ذاتها، لأن أي تغيير أو مساس بها سيؤدي إلى خسارته لما عمل على تحقيقه طوال السنوات الماضية.

التهافت، هو نتيجة لافتقاد رجل السياسة لأي تبصر أو بصيرة في أي خطوة يقدم عليها، فينقلب موقفه عليه، كما الحال بالنسبة إلى الحريري وباسيل. الأول اعلن استقالته نزولاً عند رغبة الناس. تقدم بطرح حكومة التكنوقراط. لكنه فاوض على حكومة تكنوسياسية برئاسة مرشحين وافق عليهم، وعلى الصيغة التي سينتجونها. فوقع في أول تناقض مع نفسه، ليعود ويتماهى مع تحركات الشارع ويساهم في إحراق هؤلاء المرشحين، ليزيد من تناقضه، وصولاً إلى إصداره بياناً يعلن فيه: ” لست أنا بل أحد غيري”. ثم عمل على توفير ظروف عودته وحده دون غيره، وما إن آلت إليه، أعلن أنه يتمسك بالتكنوقراط، بينما الكواليس شهدت على عكس ما يعلن، فوصل إلى حدّ التراجع عن استقالته وعن شروطه، وارتضاء التكليف والتأليف بأي ثمن. يكاد الحريري الرئيس الوحيد الذي قدم استقالته مرتين. وفي المرتين تراجع عنهما، ليعود ويعلن عزوفه عن الاستعداد للتكليف.

حال التيار الوطني الحرّ مع جبران باسيل ليست أفضل، فهو الذي بقي يفاوض على نفسه دونه غيره حتى النفس الأخير، وما إن تعرقلت عودته حتى ادعى الانضمام إلى المعارضة ورفض المشاركة في حكومة الحريري. وهو الذي هاجم الثورة وشعاراتها. وبعدما حُشر لجأ إلى مصادرة خطابها ومطالبها، مدعياً أنه صاحبها.

البحث عن فتنة
فقد الطرفان مع حزب الله مقومات توفير الاستمرارية بالتركيبة القائمة. فكان اللجوء إلى خيار مكشوف ومفضوح، وأقل ما يقال فيه، إنه يمثّل إهانة لهم ولجمهورهم. كان خيارهم الأخير، هو التلويح بهز الاستقرار والتخويف من تكرار سيناريو سوريا، ممهوراً بلعبة طائفية مذهبية خبيثة لكنها هزيلة، ولم تعد تنطلي على اللبنانيين. وهذه اللعبة كانت الأساس منذ اليوم الأول للإنتفاضة، عبر محاولات شق الصفوف طائفياً. فخرج التيار الوطني الحرّ بعنصريته وتهافته يعارض قطع الطرقات في المناطق المسيحية ويدعو إلى قطعها في المناطق الإسلامية لأن المناطق المسيحية تتضرر المصالح فيها!

ومع تصدر طرابلس لمشهد الثورة كانت هذه المساعي المتهافتة مفضوحة، باستخدام اللعبة الأمنية وإيقاع الصدام بين أبناء المدينة والجيش اللبناني، في تكرار للمشهد السوري. وهذا الخبث حتماً يخدم من يسوق لهذا المنطق، بأن ما يجري في لبنان قد يؤدي إلى ما جرى في سوريا. وصاحب هذا المنطق يقدّم نفسه بأنه قارئ للمستقبل ومستشرف للوقائع، لكنه في الحقيقة هو المستفيد من ذلك وربما هو من يسعى إليه، في إطار لعبة شد العصب المذهبي والطائفي، فتتكشف الهزالة في لعبة إحراق مركز التيار الوطني الحرّ في طرابلس أو في إحراق شجرة الميلاد.

ووسط إنسداد الآفاق أمامهم، لم يجد الأفرقاء اللبنانيون، سوى لعبة قديمة يلجؤون إليها في لحظاتهم الحرجة، إنها لعبة إيقاظ الفتنة المذهبية والطائفية، وإشعار جمهورهم بحرب الوجود لما لذلك من تأثير على شدّ العصب، فيعيدون الإلتفاف من حولهم، وليست المشاهد في وسط بيروت اعتراضاً على فيديو مشبوه يتعرض للرموز الشيعية، إلا إحدى هذه الأدوات، التي قابلتها تحركات في الطريق الجديدة إحتجاجاًعلى التعرض للصحابة في إطار اللعبة ذاتها لشد العصب، وتخيير اللبنانيين بين منطق الاستقرار بظل وجود هذه القوى اللبنانية، أو تهديدهم والذهاب إلى الفوضى بحال عدم التسليم. وهذه الألعاب المفضوحة، ليست إلا الدليل الأبرز على تهافت الواقع السياسي ربطاً بمحاولات القوى السياسية للسيطرة على ساحات الاعتصام، كما جرى في وسط بيروت والنبطية وكفررمان.

كانت القوى السياسية على تهافتها، تخيّر اللبنانيين بين أن تعيد إنتاج وتدوير نفسها، أو الفوضى. وهذا التهديد يسري أيضاً تجاه المجتمع الدولي، الذي يتم تخويفه من أن حالة اللااستقرار ستدفع بمئات آلاف اللاجئين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين من لبنان إلى أوروبا. هؤلاء الذين يتجارون “بالمذهبية والأديان” لتحصين أنفسهم، لا يجدون ما يردعهم عن المتاجرة بالناس وتجارة الرقيق باللاجئين، لقاء الحفاظ على وجودهم وتوفير المساعد التي تغذّي استمراريتهم.

وما بؤس لبنان إلا بابتلائه بهكذا سياسيين.