كتبت صحيفة “نداء الوطن”
بعد استنفادها أدوات “التعنيف والتطييف” الهادفة إلى تطويق الحراك الشعبي ومحاولة حرفه عن المسار السلمي العابر للطوائف والمذاهب والمناطق… ها هي السلطة تشقّ طريقها وسط صفوف الحراك ساعيةً إلى فرزه بين “حراكين” واحد مطلبي جارٍ العمل على تهميشه وحصره في الساحات وآخر يدور في فلك قوى 8 آذار يتم العمل على تعويمه وتأطيره في وعاء السلطة تمهيداً لإعادة تموضعه ضمن تشكيلة “تكنو – سلطوية” تحاكي ضرورات تقطيع المرحلة شعبوياً ودولياً في سياق لزوم ما يلزم من “تلوينات” معلّبة للتمويه عن صبغة اللون الواحد الطاغية على حكومة أكثرية قوى الثامن من آذار برئاسة حسّان دياب.
وعلى هذا المنوال، يواصل رعاة دياب اجتراح البدع الخبيثة في لعبة تلميع صورة السلطة. وجديدهم بالأمس محاولة شق صفوف الحراك عبر بوابة منزل الرئيس المكلف ولقاءاته مع بعض المحسوبين على الشارع، لكنه سرعان ما اصطدم بحائط نبذهم من قبل الحراك ونزع مشروعيتهم الشعبية في تمثيل ثورة 17 تشرين. أما الشارع السنّي فلا يزال يقف على أهبة الاستعداد لتطويق مشروعية دياب وقطع الطرق الآيلة إلى شرعنة توليه سدة الرئاسة الثالثة باعتباره شخصية جرى إسقاطها في “باراشوت” أكثرية 8 آذار على كرسي السراي الحكومي من دون أن يكون ممثلاً حقيقياً لأبناء الطائفة في رئاسة مجلس الوزراء.
وفي حين استرعى الانتباه أمس ما كشفه وزير “حزب الله” في حكومة تصريف الأعمال محمود قماطي لـ”نداء الوطن” من أنّ تسمية دياب “جاءت بعد موافقة واضحة وصريحة من الرئيس سعد الحريري وبعد نيل دعمه ووعده بالمساعدة في تسهيل التأليف ومنح الحكومة الثقة”، تكشف المعلومات الواردة من مرجعيات في أكثر من منطقة، في الشمال وبيروت والبقاع، عن وجود حالة إحباط متعاظمة وسط جمهور السنّة بشكل عام ليس جراء استبعاد الحريري فحسب إنما نتيجة خطف “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحر” قرار الطائفة السنية في تركيبة السلطة، وإزاء ذلك تؤكد مصادر مقربة من “بيت الوسط” لـ”نداء الوطن” أنّ “الرئيس سعد الحريري يبذل جهوده لمنع تفلّت الوضع في الشارع السني وأنه على تواصل مع المسؤولين المعنيين وقادة الأجهزة الأمنية لضبط الأمور منعاً لانزلاقها نحو مواجهات بين شارعين متواجهين… إلا أنّ أحداً لا يمكنه منع الناس من التعبير عن رأيها في الشارع تحت سقف عدم التعرض للجيش والقوى الأمنية”.
حكومياً، كشفت مصادر مطلعة على حركة الرئيس المكلف لـ”نداء الوطن” أنه بات لديه “تصور محدد لحكومته مقرون بلائحة أسماء يعتبرها مناسبة لتولي الحقائب الوزارية”، موضحةً رداً على سؤال أنّ “حديثه عن تمثيل جميع شرائح البرلمان إنما القصد منه هو توزير أسماء تُرضي الأطراف المذكورة من دون أن تكون وجوهاً سياسية”.
في الغضون، وغداة مغادرته بيروت، نقلت مصادر سياسية مطلعة على أجواء زيارة المبعوث الأميركي السفير ديفيد هيل لـ”نداء الوطن” أنه “أبلغ المسؤولين الذين التقاهم في بيروت أن لا مساعدات أميركية لأي حكومة يتمثل فيها “حزب الله” مباشرةً أو من وراء الستار، وأنّ واشنطن ليست في وارد إعطاء أي “كلمة سر” لدول الخليج لتقديم المساعدة إلى لبنان”، وكشفت أنّ “هيل أوصل رسالة قاسية تتعلق بتموضع لبنان في المنطقة موضحاً للمسؤولين اللبنانيين أنّ أي انحياز في هذا المجال سيكون غير مقبول وستدفعون ثمنه، مع تأكيده أنّ العقوبات الأميركية على “حزب الله” وطهران مستمرة وأنّ على الدولة اللبنانية أن تنأى بنفسها عن الحزب”.
وإذ جدد التشديد على أنّ بلاده “لا تريد التدخل لا في مسألة تشكيل الحكومة ولا بالشخص المكلف رئاستها لكنها تنتظر لمعرفة مدى تأثير “حزب الله” عليها”، أفادت المصادر نفسها أنّ “هيل لفت الانتباه في المقابل إلى أهمية ثورة 17 تشرين بوصفها فاتحة تغيير وبالتالي من الضروري التجاوب مع مطالبها وعدم تجاوز إرادة الناس، مشيراً إلى كون المؤسسة العسكرية تبقى أساسية بالنسبة للولايات المتحدة والمساعدة الأميركية لها مستمرة باعتبار ان واشنطن لا تزال تعتبرها مؤسسة ضامنة حتى إشعار آخر”.