التهويل في الداخل والخارج
وبما كل محاولات شيطنة الانتفاضة وتخوين ناشطيها قد باءت بالفشل، لجأت القوى السياسية إلى اختراق المجموعات الناشطة، وتبنّي المطالب بوصفها مطالبها، مع استمرار نصب المكائد الأمنية لتشتيت المتظاهرين، وبث الرسائل التي تؤدي إلى تخويف المجتمع الدولي، من نوع أن هذه الثورة ستؤدي إلى الفوضى وانهيار الدولة وانعدام الاستقرار، بما سينعكس سلباً على أوروبا بالدرجة الأولى، لأن والحال هكذا، سيتدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين والفلسطينيين واللبنانيين باتجاهها (تطوع جبران باسيل لرمي عشرات التصريحات والخطب بهذا المعنى).
إذاً، ابتز السياسيون اللبنانيين بأمنهم الاجتماعي والمعيشي، ويبتزون المجتمع الدولي بلعبة الفوضى والاستقرار، وباللاجئين.. طمعاً بالحصول الدعم السياسي لبقائهم (كضمانة للاستقرار) وعلى أموال ومساعدات لوقف الانهيار، وإلا سيصدّرون الأزمة إلى قلب أوروبا.
لكن أحداً لم يتخيّل أن يلجأ رموز الممانعة، إلى استخدام الأسلوب ذاته الذي استخدمه بعث آل الأسد منذ العام 1970 حتى اليوم، والذي أطلقه في العام 2011 بعد اندلاع الثورة السورية أخطبوط الاقتصاد السوري وابن خالة بشار الأسد، رامي مخلوف، عبر تصريحه لصحيفة نيويورك تايمز قائلاً: “إن أمن إسرائيل من أمن سوريا”. وضع مخلوف المعادلة بكل فضائحيتها، وكل ما تكشفه من زيف ادعاءات مقاومة وممانعة بنى عليها النظام السوري سطوته العسكرية والمخابراتية على المجتمعين السوري واللبناني، وتلاعب بساحات كثيرة، كلها دفعت أثمان “حرص النظام السوري” على أمن إسرائيل، بدعاية مقاومتها.
إيلي الفرزلي.. الحريص
تلك المعادلة واضحة بالنسبة إلى هؤلاء، الحفاظ على نظامنا، وحده يوفر الحفاظ على أمن إسرائيل. بالأمس، تحدّث نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي محذراً بنيامين نتنياهو من أن سقوط الدولة في لبنان، يعني أن الحرب ضد إسرائيل ستصبح أسهل بكثير. إنها ورقة التوت ذاتها. خطورتها أنها ليست موضعية أو ظرفية فقط، ولا ينحصر ارتباطها بالأوضاع التي يعيشها لبنان حالياً، ومسعى العهد للحفاظ على نفسه وإعادة إطلاق عجلته. إنما ترتبط بما هو أبعد وأكثر استراتيجية، وبما يتلاقى مع الأهداف ذاتها لدعم النظام السوري في حربه ضد ثورة شعبه، وتفريغ سوريا وكيانها من أهلها على أساس فرز ديموغرافي هائل، وطبعاً تأشيرة العبور إلى هذه الرسوم الديموغرافية الجديدة متوفرة دوماً تحت عنوان أمن المنطقة وأمن اسرائيل.
إثر اتساع رقعة الإحتجاجات اللبنانية وتعاظم الحركة الشعبية إلى حدّ أربك القوى السياسية على مختلف تنوعاتها، بدأ المقربون من رئيس الجمهورية والمحسوبون على خطّه السياسي يحذّرون، يهددون ويتوعدون من أن صبرهم قد ينفذ، وسيتعاملون مع الثورة اللبنانية كما تعاملوا مع الثورة السورية. الرمزية هنا ليست فقط بالاستعداد لاستخدام العنف والبطش، بل في النتيجة السياسية لهذا الموقف. وهي أن التركيبة القائمة بدلالاتها السلطوية ستبقى قائمة مهما كلّف الأمر، تماماً كما كان الحال بالنسبة إلى النظام السوري. وهنا تستخدم بيادق كثيرة في هذا النوع من المعارك. في سوريا حماية الأقليات من الإرهاب والتطرف. وفي لبنان حماية حقوق المسيحيين المستعادة من أي ثورة شعبية، وجهت إليها كل اتهامات التخوين ونصبت لها كمائن كثيرة لتخريبها، سواء بعمليات أمنية أو وضعها في مواجهة الطوائف أو الجيش، أو عبر ترهيبها أمنياً وتصويرها تارة بأنها موجهة ضد المسيحيين وتارة أخرى ضد الشيعة وطوراً ضد السنّة.
المعادلة الجهنمية
لعبة النظام السوري وتضامن حلفائه اللبنانيين معه تحت سقف موقف رامي مخلوف، كان فيه إشارة أساسية، أراد محور الممانعة توجيها أن معركته ليست مع اسرائيل أو الغرب بل مع الشعب السوري الثائر. وهذا يفترض به أن يتقاطع مع مصلحة اسرائيل الاستراتيجية. اللعبة ذاتها يعاد إحياؤها في لبنان، سواء بابتزاز الأوروبيين بملف اللاجئين، وتطوراً نحو ابتزاز المجتمع الدولي بالحفاظ على الأمن والاستقرار، لأن استمرار التحركات وغياب الدعم سينعكس توتيراً أمنياً وعسكرياً سيؤثر على إسرائيل.
هنا تكمن المعادلة الجهنمية لدى الأنظمة والأفرقاء في الدفاع عن وجودها وبقائها مقابل ضمان أمن اسرائيل الذي يمثل ضماناً لكل هذه الشواذات من الممارسات السياسية. ذلك لا ينفصل عن طريقة تعاطي رئيس الجمهورية مع ديفيد هيل بإيجابية حيال ملف ترسيم الحدود، وإنهاء هذا النزاع ورعاية الأميركيين له وللتنقيب عن النفط، على قاعدة الدعم السياسي والمالي مقابل ترتيب الوضع الحدودي، أو ضمان أمن الحدود الجنوبية مقابل الإمساك بالسياسة الداخلية ومفاصلها.