توجّه الحكومة ومن وراءها أصبح معروفاً.
كل خطط الـ”سوف”، التي تتحدث هذه الحكومة عن إنجازها في المرحلة المقبلة، لا تهدف إلا لتحقيق هدف واحد، هو إحكام السيطرة على البلد. هناك وجهة نظر أساسية تتحكم بأداء رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه، ويلتقي عليها مع حزب الله، مضمونها: “لا بد من وضع اليد على البلد والسيطرة عليه بكل مفاصله. وهذا هو السبيل الوحيد لإنقاذه من أزمته”.
كانت وجهة النظر هذه أشبه بعقيدة سياسية منذ ما قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية. ويومها تحدث عون عن “سيبة” لها ثلاث ركائز. هو وحزب الله وسعد الحريري. كان دور الحريري فيها ضعيفاً ومجرداً من صلاحياته. وعندما انفرط عقد تحالفه مع عون وباسيل، أعلن ما كان يكبته حول النزعة الاستئثارية الموجودة لدى العونيين.
القضاء، الأمن، المال
حاول عون وباسيل الاستفراد بالحريري داخل السلطة، عبر تطويق حزب القوات والحزب الاشتراكي ومحاصرتهما، وصولاً إلى إخراجهما مع الحريري من المعادلة. فأصبحت الحكومة خاضعة بكليتها للتيار الوطني الحرّ وحزب الله. وهي لم تتأخر في تبني خطابهما بتحميل مسؤولية الأزمات إلى الأفرقاء الآخرين وإلى نهج الحريرية تحديداً.
وعلى هذا النحو، تقدم حكومة عون وحزب الله نفسها وكأنها المنقذة للبلاد من “خطيئة” الحريرية عبر سلسلة قرارات وإجراءات، بدأت تظهر، تلبي طموح عون بالسيطرة على البلد. فهو الذي يعتبر أن تمكين حكمه يرتبط بالسيطرة على القضاء والأمن والجيش والمال. لذلك، نرى اليوم التأخر في إصدار التشكيلات القضائية.
كما نشهد صراعاً كبيراً حول دور الأجهزة الأمنية (ومن هنا كانت أهمية تسمية محمد فهمي وزيراً للداخلية). وكذلك، تستمر المعركة مع المصارف وحاكم مصرف لبنان.
وصولاً إلى القرار الذي اتخذه المدعي العام المالي علي ابراهيم الأسبوع الفائت، وأجبر المصارف على الذهاب إلى بيت الطاعة، وتتويج وشرعنة الإجراءات المتخذة من قبلها بطريقة تجميلية.
هذا المسار، لا يؤدي فقط إلى تغيير الهوية السياسية للبنان، بل إلى ضرب نموذج الاقتصاد الحر الذي تمتع به لبنان، وإلى تبني إجراءات توحي بتأميم المصارف، بهدف تطويعها. وكل هذه الإجراءات تتخذ بينما الهموم الأساسية في مكان آخر. إذ يُفترض أن تتركز على إنجاز خطة اقتصادية جدية وسريعة، توحي بالثقة للمجتمع الدولي.
وهذا لم تحققه الحكومة بعد. والمدخل الأساسي لهذه الخطة يجب أن يكون من ملف الكهرباء، والذي لا يزال التيار الوطني الحرّ يعرقله.
وقد كشفت مصادر متابعة، أن الجو الدولي الضاغط يتزايد حول خطة الكهرباء، وسط معلومات عن أنه إذا لم يلتزم لبنان بخطة سيمنز أو جنرال إلكتريك، فإن ذلك سيعمّق النظرة السوداوية الدولية تجاه لبنان.
رصد دولي
التشكيلات القضائية التي تأخر التوقيع عليها، هي أيضاً مدار رصد دولي. وهناك رأي يعتبر أنه بمجرد تأخيرها وعدم توقيعها فور تلقيها من مجلس القضاء الأعلى، فإن ذلك سيمثل فضيحة أمام المجتمع الدولي، الذي كان ينتظر أن تقرن الأقوال بالأفعال في مواقف رئيس الجمهورية على مثال أن المدخل للإصلاح هو القضاء المستقل.
وحسب المعلومات، فإن وزيرة العدل أخّرت توقيع التشكيلات بسبب اعتراض من رئيس الجمهورية عليها. ولأن لا يراد لعون أن يكون في واجهة عدم التوقيع ورد هذه التشكيلات، تنكبت الوزيرة دور توقيفها.
ومن بين أسباب اعتراض عون على التشكيلات، التمسك ببقاء القاضية غادة عون في موقعها، والقاضي نقولا منصور، كما أنه يريد تعيين القاضية سمرندا نصار في المحكمة العسكرية.
خطة الكهرباء، والخطة الاقتصادية، والتشكيلات القضائية، كلها تشكل المداخل لإنقاذ لبنان من أزمته. ولكن لا يبدو أن القيمين على الحكومة يريدون الذهاب في هذا الاتجاه.
بل يدخلون في لعبة عض الأصابع مع الزمن ومع المجتمع الدولي، طمعاً بتمكين أنفسهم أكثر فأكثر من السيطرة على مفاصل البلد، متأملين أن تحمل الأيام توازنات جديدة وحلولاً إقليمية.
وأكثر ما يفسر ذلك هو الصراع المفتوح مع المصارف، والذي وصل إلى ممارسة الضغط الأقصى عليها، كأبرز التعبيرات عن تغير الوجه الاقتصادي للبنان.
وحسب مواقف دولية، ليس على الإطلاق النموذج الاقتصادي اللبناني الذي يتحمل مسؤولية الانهيار، إنما أهل السلطة في طريقة إدارته وتشويهه، هم من يتحملون المسؤولية.
سياسة انتقامية
هذه المواقف التي وصفها وليد جنبلاط بالانتقامية، هي التي دفعته إلى الخروج عن صمته المهادن للحكومة، وهي نفسها التي دفعت تيار المستقبل للخروج ببيان عنيف رداً على مواقف رئيس الحكومة ومن هم خلفه، واتهامه بأنه يريد تغيير وجه لبنان ونموذجه الاقتصادي.
بالنسبة إلى هؤلاء خطّة الإنقاذ واضحة. وهي تحتاج إلى قرارات إصلاحية في القطاعات التي أصبحت معروفة الثغرات والفساد. ولا تنفصل عن قرار سياسي بتحسين علاقات لبنان مع الدول العربية والمجتمع الدولي.
إلا أن كل ما يفعله العهد وأركانه وحلفاؤه لا يوحي إلا بتعميق مشاكل لبنان مع المجتمع الدولي.
وهذا يضعه على طريق مماثل لإيران أو فنزويلا.