جنّدت السلطة اليوم كل أجهزتها السياسية والإعلامية والإعلانية، لمواكبة المرحلة الأولى من عودة اللبنانيين المقيمين في الخارج، هرباً من فيروس كورونا وتداعياته. فعقدت الحكومة، برئيسها ووزرائها المعنيين وغير المعنيين، مؤتمرات صحافية فردية ومشتركة للظهور في الصورة.
وزير الشؤون الاجتماعية تحدّث عن أرقام وزارة الصحة مشيراً إلى عدد الإصابات المستجدة.
وزير السياحة عن أحوال الناس واجتماعياتها والأحوال الصعبة.
ووزيرة الإعلام عن قدرة استيعاب القطاع الصحي للحالات، قائلة أنه لا يمكن للبنان استقبال أكثر من 400 حالة في كل مرحلة من نقل الجاليات من الخارج.
أما رئيس الحكومة، حسان دياب، فتحوّل إلى ناطق باسم جمعية مكافحة التفكّك الأسري: كل لبنان ينتمي إلى عائلة واحدة، هي لبنان واللبنانيين.
فنظّمت السلطة برنامجاً دعائياً شبه مجاني، بعون مؤسسات إعلامية وصحافيين.
وجاء كل هذا على حساب 391 لبنانياً قدموا من أربع عواصم لاتّقاء شرّ كورونا.
فاستقبلهم لبنان بكل أدوات الاستعراض المتاحة.
استعراض رسمي
وعلى الرغم من كل هذا الاستعراض، يُحكى أنّ أحد المواطنين القادمين من أبو ظبي، هرب من أحد الباصات المخصصة لنقل الركاب من مطار رفيق الحريري إلى فندق الحجر.
هرب من إجراءات الدولة، خوفاً على نفسه وعلى صحته. أو ربما لم يتحمّل كل ما يجري حوله، وكل خروقات الخصوصية التي استباحها إعلام السلطة في المطار وخارجه.
ليست الإصابة بكورونا عيباً، طبعاً، لكن المعيب أن تقتحم كاميرات التلفزيون الرسمي حرمة وجوه الركّاب وتعمّمها على الوسائل الإعلامية الأخرى لنشرها.
وليكتمل مهرجان عرض العضلات، أطلع وزير الصحة حمد حسن اللبنانيين مساءً أنّ لا إصابات بكورونا في صفوف العائدين من الرياض، بانتظار نتائج فحوص ركّاب الطائرات الأخرى.
عروض مستمرة
ومن المفترض أنّ يجد اللبنانيون أنفسهم أمام عروض مستمرّة في مطار بيروت. إذ يُفترض أن يستقبل لبنان الثلاثاء أربع طائرات جديدة من باريس ومدريد وكينشاسا ودولة عربية أخرى.
في حين فات الدولة تناول وصول طائرتين خاصّتين من الرياض والغابون. فلم يعرف أحد مصير ركابها ولا الإجراءات التي اتّخذت بحقّهم. لم نعرف عددهم ولم نتحقّق من سلامتهم (إن شاء الله).
على أن يكون نهار الجمعة أو السبت موعداً ثالثاً لقدوم رحلات أخرى، فتستمرّ استعراضات السلطة المحصّنة بمواقف بعض الإعلاميين، الذين لم يجدوا وصفاً للاحتجاج على هيستيريا الاستعراض إلا وصف المحتجّين بـ”البشعين”.
حكومة الاستعراض هي الجميلة، والمعترضون عليها وحوش، وما على إدارات المحطّات إلا إخراج هذا الواقع وتعميمه على هوائها المباشر.
خطة الإجراءات
عملت الفرق الصحية على مواكبة اللبنانيين من مطارات المغادرة، حيث أخضعتهم لمعاينات وملء استمارات طبية. ثم تمّ فرزهم إلى أربع مجموعات، الأولى خضراء لمن خضعوا لفحص كورونا وجاءت نتيجتهم سلبية، هؤلاء غالباً مرشّحون للخروج إلى الحجر المنزلي.
ومجموعة صفراء لكبار السنّ والذين يعانون من أمراض مزمنة، ثالثة زرقاء للمشكوك بها ورابعة حمراء من الذين أتت نتائج فحوصهم إيجابية.
وبناءً على هذا الفرز، تنقسم مجموعات الركاب في مطار بيروت للخضوع لفحص كورونا مجدداً، وملء استمارات شخصية خاصة بمكان السكان والحجر المتاح.
وتنقل بعدها القوى الأمنية كل مجموعة على حدة بباصات يحمل كل منها 9 ركّاب إلى الفنادق المخصصة للحجر.
وفيها ينتظر الركاب نتائج فحوص كورونا، ليتم بعدها نقلهم بمواكبة أمنية إلى منازلهم، إن كانوا قادرين على تأمين ظروف الحجر، أو إلى المستشفيات اللازمة لتلقي العلاج في حال حاجتهم لذلك.
استعراض آخر
وقدّم وزير الداخلية، محمد فهمي، استعراضاً من نوع آخر من خلال إصدار قرار للحد من حركة الناس والسير في ظل أزمة كورونا. فألزم السيارات والشاحنات والدرّاجات بالسير وفقاً لأرقام لوائحها.
فيسُمح للآليات التي تنتهي لوحاتها برقم مفرد بالسير أيام الإثنين والأربعاء والجمعة. ويُسمح للآليات التي تنتهي بأرقام مزدوجة السير أيام الثلاثاء والخميس والسبت، على أنّ يُمنع السير أيام الأحاد بالمطلق.
واستثنى فهمي من هذا القرار القطاعات الطبية والقانونية والأمنية والإعلامية والأساسية. علّت صرخة بعض التجّار والمصانع الأساسية، لكن فهمي لم يردّ على صرخاتهم بعد.
ربما لأنه وجد أنّ الفيروس يهاجم السيارات ذي اللوحات المفردة ثلاثة أيام، والمجوزة ثلاثة أيام، ويهاجم كل السيارات أيام الآحاد والأعياد.
خطة عودة اللبنانيين من الخارج بسيطة، لكن استوجبت تجنيد آلاف الموظفين من إداريين وموظفين وأمنيين، بهدف إعلاني-دعائي لتلميع صورة السلطة وأطرافها. فهذه السلطة قادرة على تحويل فاجعة إلى فرصة للانتهاز.
مهرجان المطار مثال على ذلك، وقبله قرار تحرير الحسابات المصرفية لأصغر صغار المودعين، الذين إن سحبوا أموالهم أُقفلت حساباتهم تلقائياً.
لكنها بالنسبة للبعض تقدّم المستحيل لجعل لبنان من جديد عائلة واحدة، ولو أنّ التاريخ القديم والحديث يقول إنّ اللبنانيين لم يكونوا يوماً عائلة واحدة.
بل قبائل طائفية وحزبية، فاسدة وغير منتجة. كل المهرجانات الإعلامية والدعائية في العقود الأخيرة دليل على ذلك.