طرابلس والثورة.. عودة الروح

ستكون على موعدٍ مع تحركات تصعيدية في الأيام المقبلة

18 أبريل 2020
طرابلس والثورة.. عودة الروح
جنى الدهيبي
جنى الدهيبي

من 17 تشرين الأول 2019 إلى 17 نيسان 2020، ستّة أشهرٍ كاملةٍ فصلت اللبنانيين عن استعادة المشاهد الأولى من ثورتهم الشعبية ضدّ السلطة الحاكمة سياسيًا ومصرفيًا. أمّا المفارقة في 17 نيسان، ولليوم الثاني على التوالي، فهو أنّ عددًا من المناطق والمدن اللبنانية، وتحديدًا في طرابلس، فارت غضبًا وبدأ الناس فيها يفقدون قدرتهم على تجرّع الصبر في زمن فيروس “كورونا”، فكسروا حالة التعبئة العامة، وتوافدوا بالمئات إلى الشوارع غير آبهين لا بالمرض ولا بالموت.

جمعة طرابلس
قبل ساعةٍ من بدء حظر التجوّل الليلي، توافد مئات الرجال والنساء والشباب في طرابلس إلى معقل ثورتهم في “ساحة النور”، الجمعة 17 نيسان عند السادسة مساءً، من دون كفوفٍ ولا كمامات، متلاصقين قرب بعضهم البعض، بلا مسافاتٍ آمنة بينهم، فيما ملامح الغضب والخيبة واليأس تكاد تنفجر من وجهوهم الشاحبة، بعد أسابيع يقبع فيها معظمهم بالحجر المنزلي: “إذا ما متنا من المرض رح نموت من الجوع”، قال أحد المتظاهرين، الذي جاء حاملًا طفله الرضيع ليفترش الساحة مناشدًا الناس والدولة: “روحوا شوفوا بيتي، افتحوا برادي، شوفوا كيف عم نعيش بالذل من قلة الموت، أتمنى الحبس أفضل من عيشتي”. مقابله، يقف رجل يحمل ابنته على كتفيه، يحمل وإيّاها رغيفي خبزٍ، يقطعهما بيده ويقول: “حتى على لقمة الخبز عم يلحقونا ويسحبوها من تمنا”. أما محمد البالغ 27 عامًا، فجاء من يأسه إلى الساحة، بعد أن صُرف من عمله في إحدى المؤسسات، وقال لـ”المدن”: “أجلس في المنزل من دون عمل منذ أشهر، أشعر في هذا البلد بانتهاك رهيب لكرامتي وقد دمرت السلطة جميع أحلامنا وأطاحت بحقوقنا. لا يخيفنا المرض بكورونا بقدر خوفنا من كلّ هذا الذل الذي نعيش فيه. فأنا شاب لا أنتج ولا أستطيع مساعدة أهلي الذين خسروا حتى حقهم بالحصول على 200 دولار يرسلها شقيقي من الغربة لمساعدتهم”.

ما بدا من عبثٍ وتراجيديا في تعبير المتظاهرين عن أنفسهم في “ساحة النور”، لم يأتِ من عدم، وإنما بعد أن بلغت أزمتهم الاقتصادية ذروتها، وخسرت الليرة 100 في المئة من قيمتها، وفقد مئات الآلاف أعمالهم. بينما الدولة والمصارف لا يتوقفا عن استنزافهم ونهب أموالهم والسطو على مدخراتهم ودولاراتهم. ومع اقتراب شهر رمضان الذي يتوجس منه المتظاهرون وأهالي المدينة، في ظلّ الغلاء الفاحش في الأسعار الغذائية وغيرها من المواد الأساسية التي يزيد الطلب عليها مقابل شحّ في السيولة.

سر الساعة السابعة
قبل أن تبلغ الساعة السابعة ليلًا، توجه عدد من عناصر الجيش الذين كانوا يطوقون الساحة، وناشد أحدهم المتظاهرين بمكبّر للصوت قائلًا: “معكم للساعة السبعة حتى ترجعوا على بيوتكم كرمال حظر التجول، كرمالكم وكرمالنا وكرمال صحتنا كلنا”. لم يأبه أحد من المتظاهرين بنداء الجيش، وسخر البعض قائلًا: “يعني كورونا بعد السبعة أخطر من قبل السبعة”.

استمر المتظاهرون بتحركاتهم لساعات متأخرة بعد السابعة. وفي كل مرّة كان يعود فيها الجيش لتوجيه النداء نفسه، لا يستجب له أحد، رغم محاولات فرض هيبته وترهيب المتظاهرين بالعصي والبواريد والمدرعات التي كان يحتمي بها. وكل مجموعة، كانت تتجمهر حول نفسها لترديد الشعارات. بعضها أخذ طابعًا ماركسيًا وشيوعيًا في وسط الساحة “درب النضال طويل طويل، مع اليسار والفلاحين ضد اليمين”. وبعضهم استرجع شعارات 17 تشرين الأولى “ثورة ثورة.. يسقط يسقط حكم الأزعر”، “كسّر مصرف أحرق ميّة، هاي مصارف حرامية” و”حرامي حرامي رياض سلامة حرامي”، وآخرين عبّروا عن جوعهم وحاجاتهم “بدنا خبز وبدنا طحين، بدنا ناكل جوعانين”. أمّا اللافت، فكان الكم الهائل للشتائم التي توجه بها بعض المتظاهرين لحكومة حسان دياب وجبران باسيل سويةً، وكأنهما سيّان.

جريح أمام منزل كرامي
بعد نحو ساعتين، عمدت بعض المجموعات من المتظاهرين إلى التصعيد، فأرادوا الانطلاق بمسيرات احتجاجية نحو منازل القيادات في المدينة، وكانت البداية من أمام دارة النائب فيصل كرامي الذي لا يبعد كثيرًا من الساحة. وما لبثوا أن وصلوا إلى هناك، تصدّى لهم الجيش، فتطور الإشكال، ورشقه المتظاهرون بالحجارة، وتحول قسم من شارع الضم والفرز إلى ساحة مواجهة، سرعان ما توقفت بسقوط جريح من صفوف المتظاهرين، تعرض للضرب من بعض عناصر الجيش بعد أن رشقهم بالحجارة.

هذا، ويبدو أن طرابلس ستكون على موعدٍ مع تحركات تصعيدية في الأيام المقبلة. وفي ساعاتٍ متأخرة من تظاهرة الجمعة، شدد الجيش إجراءاته بفرض طوقٍ أمني حول الساحة، مع إصرار بعض المتظاهرين على عدم مغادرتها. وفيما أضرم بعض الشباب النار بالإطارات لإغلاق بعض مداخل الساحة، وقفت إحدى السيدات أمام اللهيب المتصاعد، وقالت وهي تصرخ غضبًا: “بدهم نحرق حالنا حتى يصدقوا أننا عم نعاني.. هيدي منها دولة، هيدي زريبة”.

المصدر المدن