لم يسبق ان تحول مناصرو “الثنائي الشيعي” الحليف الى الإخوة الأعداء (الأعدقاء)، منذ نهاية حمّام الدم في حرب إقليم التفاح التي أشعلها تمدد نفوذ “حزب الله” ومحاولته تغيير وجه الشيعة من لبناني الى إيراني، والتي يُسجل لرئيسها الرئيس نبيه بري انه أول من استشعر بهذا الخطر وانتفض للحد منه رغم انها كلفت حرباً استغرقت سنتين بين عامي 1988 و1990، وذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من أبناء “الشيعة المظلومين” من “حزب الله” وحركة “أمل” قبل المصالحة الشهيرة.
غير ان مسار الأمور منذ ذلك الوقت لم يكن مستتباً بالكامل، فالنار خامدة تحت الرماد، سرعان ما يشعلها إشكال من هنا واحتفال من هناك، الا ان المشهد تغير كلياً في مناسبة تعليق صور ويافطات مع بداية ذكرى عاشوراء، فأهرقت دماء “أمل” في اشتباك مع “حزب الله” بفعل “القلوب المليانة” لتستعاد صورة من حرب “السنتين الشيعية”.
يترقب اهالي القتيل حسين خليل في بلدة اللوبيا ما ستصدره المحكمة العسكرية، بشأن العنصرين من “حزب الله” اللذين يشتبه بأنّ احدهما كان وراء قتل المغدور الاسبوع الماضي بسبب خلاف على تعليق أعلام ويافطات بمناسبة ذكرى عاشوراء، وغداة خطاب امين عام “حزب الله” الذي دعا الى رفع الاعلام واليافطات في الاملاك العامة والخاصة في هذه المناسبة.
واللوبيا بلدة تقع ضمن قضاء الزهراني وهي المنطقة الوحيدة في الجنوب التي يمكن الحديث فيها عن نفوذ لحركة أمل يتجاوز نفوذ “حزب الله” او يوازيه، بخلاف مناطق الجنوب الأخرى التي رسا النفوذ الغالب لـ”حزب الله” على حساب “الحركة” وكشفت الانتخابات النيابية هذا الواقع من خلال التباين الواسع بين اصوات مرشحي الطرفين، والتي كشفت عن تفوق جلي لمرشحي الحزب.
لم يسبق في الربع القرن الأخير ان تمّ تناول الامين العام لـ”حزب الله” من قبل مناصري “أمل” وبشكل علني، كما فعل اهالي بلدة اللوبيا اثناء تشييع ابن بلدتهم، وهذا ما دفع قيادة الحركة الى ادانة هذه الشعارات، ودفع بالمقابل بعض مناصري “أمل” الى القول إن “حزب الله” لم يصدر حتى بياناً يدين الجريمة او يعزي أهل المغدور، وبقي صامتاً من دون اي موقف يوازي الجريمة، ويتصدى لتداعياتها.
سلّم “حزب الله” عنصرين للمحكمة العسكرية، من دون ان تتضح اسباب تسليمهما لهذه المحكمة، سوى ما يشاع عن ان سطوة الحزب على هذه المحكمة هي ما يفسر هذا التصرف، علماً ان الجريمة حصلت بين اطراف لا ينتمون الى السلك العسكري، ولا الجريمة من الجرائم الارهابية، وبالتالي فهي جرت بين مدنيين وان كانوا ينتمون لأحزاب لبنانية.
في ردّ الفعل الأولي بعد الجريمة، جرت تهديدات مباشرة من قبل بعض ابناء عائلة المغدور خليل لأهالي المشتبه فيهما والاعتداء على بيوت تعود لعائلته، وفي هذا السياق ينقل مقربون من عائلة المغدور في اللوبيا، أن المشتبه فيه اعترف باطلاق النار والقتل، علماً ان مصادر متابعة “للحادث الخطير” في قضاء الزهراني، تشير الى ان المغدور قتل برصاصة مسدس، وليس برصاص بندقية حربية، وتضيف ان احد الموقوفين في المحكمة العسكرية كان في حوزته مسدس يرجح انه وراء تنفيذ الجريمة.
الأحاديث والانفعالات والتهديد والوعيد، على لسان رفاق خليل وابناء بلدته وعائلته، واجواء التوتر انتقلت الى اكثر من بلدة، بموازاة جهود تبذل من قبل طرفي الثنائية الشيعية، لمنع تمدد التوتر ومحاصرته.
وفي هذا السياق تجرى اتصالات لايجاد مخرج لهذه القضية المحرجة، ذلك ان “حزب الله” لم يسبق ان كان عرضة لأن يكون احد عناصره في يد القضاء ومتهماً في قضية قتل، وهي جريمة وقعت داخل البيئة الشيعية، اي ان معالجتها من خلال المحكمة العسكرية غير كافية اذا لم يقتنع اهالي المغدور وحركة “امل” بأي مخرج لا يحظى بأدلة دامغة تدين القاتل، سيما ان لا اطراف سياسية او امنية كانت موجودة اثناء المواجهة التي ادت الى مقتل خليل، باستثناء عناصر حركة “امل” و “حزب الله”، وهي بالطبع اعقد من قضية مقتل الطيار سامر حنا قبل نحو عشر سنوات، التي امكن للحزب معالجتها، من خلال الدوائر القضائية والعسكرية.
وفي هذا السياق بدأت محاولات تسريب اخبار ومعلومات لم تلق استجابة من اهل المغدور، تقول ان طلقاً نارياً من طرف ثالث ومجهول، ادى الى مقتل خليل، اي ان عناصر “حزب الله” ليسوا هم من نفذوا عملية اطلاق النار المشؤومة.
واللافت في سياق رصد التداعيات لما جرى في منطقة الزهراني، قيام بعض مناصري حركة “امل” باستحضار صور قيادات أمل الذين تم اغتيالهم (اواخر الثمانينات)، اي داوود داوود ومحمود فقيه وابو حسن سبيتي، وضموا اليها صورة حسين فقيه، ويمكن ملاحظة العديد من الشعارات والمواقف المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تظهر حجم الغضب من هذه الجريمة.
التوتر على مستوى الشارع لم يتراجع، وحمل السلاح بشكل علني وامام القوى الامنية والعسكرية الرسمية مستمر، فيما يظهر بشكل واضح ان المعالجات تتم على مستوى حزبي، في وقت تتنامى مظاهر الغضب لدى مناصري “أمل”، خصوصاً أن بعضهم بات يتحدث بصوت عال عن ان وراء ما جرى رسالة سياسية مفادها ان “الحزب” يمسك بالشارع، وحتى في ما تبقى من مناطق نفوذ “أمل”، وهي رسالة استباقية تستهدف اي محاولة للخروج عن سطوة الحزب وسيطرته، والتي يشكل فيها تعليق الاعلام واليافطات عنصر سيطرة واستقواء، ووسيلة لاستعراض القوة، لا سيما بعدما جعلها الامين العام لـ”حزب الله” بمثابة مهمة إلهية، الغاية منها توجيه رسالة الى كل اللبنانيين والى داخل البيئة الشيعية، مفادها ان كلمة “حزب الله” هي العليا.