احتجاجات بيروت والمناطق: عون يطلب خنقها قبل أن تبدأ!

29 يناير 2021
احتجاجات بيروت والمناطق: عون يطلب خنقها قبل أن تبدأ!
نادر فوز
نادر فوز
وفي اليوم الثالث، انضمّت بيروت (ولو بخفر وخجل) إلى حركة الاحتجاج على السلطة وإجراءاتها على مختلف الأصعدة. بعد يومين داميين في طرابلس سقط فيهما شهيد على الأقل ومئات الجرحى، شهدت العاصمة سلسلة تحرّكات ووقفات احتجاجية ضد العنف التي تمارسه السلطة الأمنية على المتظاهرين، وضد الإفلاسين السياسي والمالي الحاصلين، وضد العجز العام عن إدارة البلد وأزماته المتنقّلة.
التحرّكات الميدانية في بيروت، ولو بقيت خجولة نسبة لما يحصل في طرابلس، تنبئ بتراكم كرة ثلج جديدة في وجه السلطة. قد يعود العدد المحدود للمحتّجين إلى عوامل عديدة، منها الواقع الصحي نتيجة أزمة كورونا، ومنها عامل الطقس، ومنها أنّ من فقد الأمل ونهشه الإحباط في الأشهر الأخيرة لا يزال متردّداً في المشاركة من جديد في مواجهات على الأرض.
وكل هذه التبريرات والحجج طبعاً لا تلغي واقع أنّ الحماسة مفقودة في العاصمة، لكن في الوقت نفسه لا تعدم احتمال اشتعالها في الآتي من الأيام، قريباً كان أو بعيداً.

تحرّكات ضد العنف
بسلاسة بالغة سارت الوقفات الاحتجاجية اليوم، وتوزّعت في أنحاء عديدة من العاصمة. أمام وزارة الداخلية (الصنائع)، أمام منزل وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي (قريطم)، أمام منزل وزيرة الدفاع في الحكومة نفسها زينة عكر (ستاركو)، في الصيفي وفي ساحة الصلح. ليس من داعٍ للتذكير بالمطالب التي لم تخرج من الفضاء الإلكتروني قبل الساحات أساساً.

ضد السلطة، واليوم تأكيد على رفض العنف الممنهج الممارس ضد الناس في طرابلس. لذا كانت محطّات الاحتجاج موزّعة ومتنوّعة، هتف خلالها المحتجّون الكثير من الشعارات، يبقى أهمها “يلي بيقتل شعبه.. خاين، يلي بيسرق شعبه.. خاين، يلي بيقمع شعبه.. خاين، محمد فهمي واحد.. خاين”.
فالوزير فهمي، بادر من تلقاء نفسه إلى الاعتراف بجريمة قتل اقترفها قبل أربعين عاماً. والقتل يتجدّد، حرفياً، في طرابلس اليوم. أما الحامي، فنفسه أيضاً، في المنظومة نفسها والنظام نفسه والدولة نفسها.

العنف لحماية السلطة
ومن العبارات التي ردّدها المحتجون في بيروت أيضاً “سمعوا شو هالخبرية.. جابلونا وزير الداخلية، كان (..) لرستم.. قيادات البعثية”. عنف السلطة ضد الناس، اليوم في طرابلس وقبله في كل لبنان أثناء انتفاضة 17 تشرين، مبرّر من جهة السلطة.

تريد حماية نفسها ولو على حساب دماء شبان عزّل ضاقوا ذرعاً من كل ما حولهم. ومبدأ الحماية هذا، كرّسته الأجواء الصادرة عن رئاسة الجمهورية والقائلة بضرورة “إنهاء التحركات بأي ثمن”. والثمن بدأ يُدفع، من طرابلس وقريباً من مناطق أخرى مهمّشة ومتروكة خزّانات وقود اعتيادية للفتن والتلاعب الأمني والسياسي.
المطلوب خنق الاحتجاجات قبل ولادتها.
ولهذا السبب، تمّت الدعوة من رئيس الجمهورية لعقد اجتماع لمجلس الأمن المركزي “لدرس الوضع الأمني في البلاد من خلال التقارير الميدانية التي تعدها القوى الأمنية المعنية”، حسب المكتب الإعلامي في قصر بعبدا.

قياس السلطة
وفي موجة العنف الجديد التي انطلقت، إدانة للناس والمحتّجين. إدانات تصدر، يومياً، عن قوى سياسية وأخرى مالية تتحّكم ما تيسّر من إعلام يعمل على نسج المؤامرات الخيالية وتوظيف ما يحصل في الشارع سياسياً.

كل ما يمكن أن يحصل على الأرض صالح للتوظيف والتطويع لدى ماكينات السلطة. فيحتار المرء كيف التعامل مع كمّ النظريّات السياسية التي صدرت من شاشات متلفزة أو في الفضاء الإلكتروني لتخوين كل من نزل للمطالبة بحقّه.
والمخوّنون أنفسهم، عندما غنّت الناس في الشارع ورقصت اتّهموها بالانحراف الثوري. سمّوا المنتفضين مهرّجين، من “جماعة الثو ثو”. عندما عقدت المجموعات اجتماعاتها وطرحت أوراقها، اتّهمت بالانعزال والعمل في الغرف المغلقة بعيداً عن الناس.
وعندنا نزل أبناء أحزمة البؤس وأضرموا النيران في الشوارع ورموا الحجارة، تحوّلوا إلى مندسّين ينفذون أجندات سياسية وانقلابات.
باتوا إرهابيين يعملون بعقل مؤامراتي خارجي، في حين أنّ الكبير والصغير في السلطة يسعى جاهداً وراء مبادرة معلّبة في باريس.
يوضح كل هذا أنّ المطلوب، قيام حركة احتجاجية على قياس السلطة، لتعبّر عن اقتتالها الداخلي في ما بينها.
يريدون الاحتجاج نسخات شبيهة من “الثلاثاء الأسود” (2007) ومن بعده “7 أيار” واحتجاج “يا شباب ويا صبايا.. يلا يلا عالسرايا”.

تحرّكات أخرى
كما في بيروت، شهدت مناطق لبنانية عدّة تحركات احتجاجية اليوم رفضاً للواقع المعاش. جابت صيدا مسيرة راجلة وأعيد نصب خيم للمعتصمين عند دوّار إيليا، ولو كانت رمزية.

وتم قطع طريق بحمدون، ونظّمت وقفة احتجاجية في ضهور العبادية حيث قطعت الطريق أيضاً بالإطارات المشتعلة. وكذلك في بر إلياس عند مفرق المرج، وفي بلدة العين على طريق بعلبك- الهرمل.
وبقاعاً أيضاً أقفلت طريق المصنع –شتوره.
وفي الذوق، عمد العشرات من المواطنين على قطع الأتوستراد بالسيارات، فتوقّف موكب وسط الطريق لبعض الوقت مع التأكيد على مواعيد تحرّك أخرى. ينبئ كل هذا بأنّ عودة الناس إلى الشارع باتت وشيكة، ويوضح أيضاً استقتال السلطة في قمع التحرّكات بالوسائل الأمنية والحازمة.

في مواجهة سياسة الترهيب والتخويف المرشّح تصاعدها في الأيام المقبلة، لا يمكن التعويل إلا على إدارك الناس أنّ كل ما حولهم ولديهم قد انتهى.

أموالهم قد تبخّرت، حقوقهم انتفت وعاصمتهم قد دُمّرت. وبقاؤهم في بيوت لا يملكونها، وفي مدارس وجامعات لا يتردّدون إليها، وفي وظائف لايزالون يداومون فيها، مسألة وقت فقط قبل أن تنتفي أيضاً.

كل من في لبنان يعيش في أزمة وجود، لا مخرج منها إلا بكسر الخوف الذي تحاول السلطة فرضة. وردّه بخوف آخر، كذلك الذي عاشه أركان السلطة في منازلهم قبل سنة.

يومها التزم السياسيون بيوتهم وشعروا بمخاطر الخروج منها، خوفاً من اعتداء أو فضيحة طرد موثّقة بالكاميرات.

كان ذلك قبل أن تتمّ الدعوة إلى إطلاق النار على المحتجّين من شرفات المنازل. فهل من مخازن أسلحة تكفي لقتل شعب بكاملة؟

المصدر المدن