
أكدت التطورات التي يشهدها لبنان،خاصة خلال السنتين الأخيرتين،أن هذا البلد ورغم الهدوء النسبي ، وحالة الاستقرار غير المفهوم،كان ينام لسنوات طويلة على بركان من الأزمات السياسية و الأمنية والاجتماعية والاقتصادية،في إطار صراعات طائفية ومذهبية لها أبعاد إقليمية ودولية،وتستفيد منها القوى الخارجية لتجعل من لبنان ساحة لتبادل الرسائل.
كما أكدت تطورات الأحداث،أن الطبقة الحاكمة في لبنان لها ارتباطات خارجية، والكثير منها برز بدعم قوى ودول أجنبية وتنفذ أجندات خارجية بعيدة حتى عن محيطها القومي العربي.
ومع التصعيد الذي شهده لبنان خلال الأشهر القليلة الماضية وحتى الآن،من انهيار الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي،وما كشف عن فضائح صفقات النهب والفساد،إلى العجز القائم في معالجة وباء كورونا،جاء انفجار مرفأ بيروت والصراعات القائمة حول تشكيل حكومة جديدة،ليؤكد أن الطبقة الحاكمة في لبنان لا يمكنها معالجة الأزمات التي يتعرض لها البلد،وأن البنية الحاكمة لا تحمل وليس في مقدورها إيجاد الحلول للأزمات الخطيرة التي يعيشها الشعب اللبناني وهي عاجزة وضعها الحالي على إنقاذ لبنان.
فالطبقة التي عبثت بالبلد فسادا ونهبا،لا يمكنها معالجة نتائج أعمالها ، وهي أصلا لا تريد وليس لديها القدرة لإيجاد المعالجة .
لذلك، فإن السلطة والأحزاب المسيطرة في لبنان (دون استثناء) تبحث عن حلول خارجية وتدخل أجنبي لإنقاذ نفسها وإنقاذ بلد تسيطر عليه،والجميع ينتظر المساعدات شرقا وغربا،ويطلق صرخات التأييد للمبادرة الفرنسية،وينتظر نتائج الانتخابات الأمريكية،ويطلب المساعدات العربية ، ويطلب من الدولة إيجاد الحلول بالتوجه للشرق .
الجميع ينتظر تدخلا خارجيا ومساعدات أجنبية،ودعما عربيا،لأن الجميع يعلم أن طريقه وصلت إلى حائط مسدود،وأصبح عاجز عن تأمين المعالجات للانهيار المالي والاقتصادي والسياسي والأمني.
وهذا يؤكد أن الأزمة اللبنانية مستمرة، وأن استمرار الأزمات اللبنانية المختلفة، لن يؤدي إلى حالة الانهيار فحسب( لبنان أصلا وصل إلى مرحلة الانهيار) بل سيصل إلى قاع الانهيار أو لحظة الصدم والالتطام المخيفة في القاع .
وإذا كانت الأطراف اللبنانية كافة ومعها الدول الإقليمية والأجنبية تعلم جيدا أن لا حرب في الأفق،وأن الحرب مع الاحتلال الاسرائيلي أمرا مستبعدا،وأن لا حرب داخلية وأهلية في لبنان،فالأطراف اللبنانية تحاول كسب الوقت والمماطلة وليست على عجلة من أمرها لإيجاد حلول وإنقاذ لبنان قبل لحظة الالتطام.
لأن لا قوى ولا تيارات تهدد وجود السلطة،والمظاهرات الشعبية التي شهدتها شوارع وميادين المدن والقرى اللبنانية تراجعت بشكل واضح،وتمكنت الطبقات الحاكمة من اختراقها وتشويه حراكها وضبط إيقاعها.
وأمام هذا المشهد اللبناني المعقد،لا سلطة تعالج الأزمات وتنقذ لبنان من حالة الانهيار،ولا أحزاب معارضة مؤثر يمكن لها أن تمارس الضغط لإيجاد الحلول،والشعب يعيش حالة ذهول وإحباط ويأس،قادته إلى الهجرة الشرعية وغير الشرعية،وإلى انتشار آفة المخدرات والانشغال بالبحث عن لقمة العيش والمواد الغذائية والأدوية المفقودة من الأسواق .
السلطة الحاكمة تنتظر المبادرات الخارجية والتدخلات الأجنبية (شرقا وغربا)،لكن لهذا التدخل من أي جهة كان،سيكون ثمنه غاليا على مستقبل الشعب والسيادة في لبنان،وسيمارس الضغط على لبنان من أجل تنفيذ أجنداته المختلفة وهي كثيرة..وإذا كانت السلطة راضية من أجل بقائها وإنقاذ وجودها،فهل يرضى اللبنانيون،أو هل بمقدور اللبنانيين تحمل الاملاءات الخارجية؟(سيادة،مياه،مافيات،تنقيب عن الغاز ،توطين اللاجئين،اعتراف بالاحتلال).
بالنهاية لابد من التأكيد على أن لبنان يتجه مسرعا نحو الانهيار الشامل أو الالتطام في القاع،والطبقات الدينية والسياسية والمالية الحاكمة لا تملك الحلول وليس باستطاعتها معالجة الأزمات وإنقاذ لبنان.
لكن الحل يجب أن يكون داخليا،وإنقاذ لبنان،لن يكون إلا بجهود لبنانية مخلصة وصادقة،تنقذ لبنان وتحمي مصالح الشعب،وذلك من خلال قوى وتيارات وأحزاب لبنانية جديدة ومتطورة ومخلصة،تقودها نخب وطنية علمانية من صفوف الشعب اللبناني ترفض الارتباط بالخارج،وترفض انهيار لبنان،وترفض التفتيت الطائفي والمذهبي وتدافع عن مصالح الشعب والوطن.