من يقود صهريجاً محمّلا بالبنزين أو المازوت في هذا الزمن الصعب هو فدائي من الدرجة الأولى، فالإنتقال من مصافي طرابلس إلى بلاد جبيل وكسروان مغامرة غير محسوبة النتائج، إن لم تواكب الصهريج قوة أمنية ضاربة، وانتقال صهريج ليلاً من الزهراني إلى البقاع كمن ينقل شاحنة متفجرات إلى ما وراء خطوط العدو. وكل صهريج يخرج من خزانات الدورة إنتحاري مع وقف التنفيذ يعطي الأمل بدورة حياة متجددة.
على المحطات ينتظر المواطنون الصهريج، يتحلّقون حوله، ويسجدون لـ”شوفوره” كمنقذ مرسل من آلهة الشركات المستوردة.
أصحاب المواتير وسكان الأحياء الفقيرة ينثرون الرز على الصهريج إن دخل الزواريب الضيقة لإفراغ حمولته في خزانات عطشى.
زمّور الصهريج الساحب خلفك، يوقظ فيك مشاعر ميتة ويزيد من ضربات قلبك.
إلى ما سبق يحسدُ الصهريج أنه لا ينقطع من المازوت بعكس الشاحنات والفانات والتراكتورات.
وإليكم هذه القصة القصيرة جداً:
“أمضيت أجمل سنوات عمري في دولة الكويت، بدأتُ بوظيفة عادية وفتحها الله في وجهي وصرتُ أرسل الدنانير إلى والدي في لبنان واقترحت عليه شِراء صهريج أو اثنين وتأجيرهما.
كان الوالد يضع الأموال في المصرف ويتريث في مشروع اعتبره غير مضمون في ظروف لبنان المتقلبة.
بعد أعوام عدتُ لأستقرّ في لبنان”، روى لي بدر سألته: وهل ابتعت صهريج أحلامك؟ أجاب: “ما جمعته طيلة أعوام، لم يكفِ لشراء أربعة دواليب”، وضحك بينما الخبرية تدعو إلى البكاء.
“إرتأى والدي أن يحوّل ما أرسلته إليه، كما الكثير من اللبنانيين، إلى عملتنا الوطنية للإفادة من الفوائد المرتفعة على الليرة” و”لاحقين نشتري صهاريج”، قال.
وبدلاً من العودة إلى أحضان وطني الحبيب رجعت إلى أحضان الكويت لأبدأ من الصفر مستفيداً من الدرس ومختصره، إياك ثم إياك أن تغرّك الفوائد على الليرة.
“فكّرت أن أروي لبدر أن تحذيره جاء متأخراُ سنتين ونصف ثم عدلت بالعاً مرارتي من بلعة عصير”.
لو ابتاع بدر صهريجاً وراء صهريج، لأسس أسطول صهاريج جاب به لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ولكان اسطوله توجه إلى بانياس للمشاركة في عملية المازوت الصادق، من دون ان يوقف صهاريجه أحد، لا على نقطة الجمارك ولا على حاجز طيار ولا على معبر.
وربما كان بدر في طليعة مستقبلي المازوت الإيراني الفاخر اليوم، في الإحتفال الجماهيري الشعبي العفوي في بلدة العين محاطاً، بأولاد سعداء وعوائل طافحة بالسعادة.
مفولة سعادة. ومن دوريس إلى العين مهرجان آخر إحتفاء بالصهاريج.
إستقدام البنزين من إيران يوجب على مجلس الوزراء تعديل النص الكلاسيكي المتعلّق بالمقاومة، فيصبح على الشكل الآتي:
“تؤكد الحكومة على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة وعلى الحق في فك الحصار الأمريكي واستيراد المازوت والبنزين بالوسائل المتاحة”.