لا يمر وقت قصير على اشتباك مسلح داخل هذا المخيم الفلسطيني في لبنان، إلا ويندلع اشتباك في مخيم آخر، يسقط فيه الضحايا والجرحى، ويعم الرعب والهلع في صفوف اللاجئين.
خلال الساعات الماضية اندلعت اشتباكات مسلحة في مخيم البداوي شمال لبنان، ولسنا هنا في صدد الحديث عن الاطراف التي شاركت في الاشتباك، ولا في عدد الضحايا والجرحى وحالة الهلع والخوف التي عمت داخل المخيم، كما كانت تعم في غيره من المخيمات، ذلك لأن الحديث الأهم ما هي خلفيات وتداعيات هذه الاشتباكات على شعبنا وقضيتنا الوطنية.
وللأسف أن الاشتباكات والتوترات الأمنية داخل المخيمات بدأت تتصاعد أخيرا بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، والحديث عن توافق لمعالجة الأزمات اللبنانية العامة، والخوف اليوم أن تبقى المخيمات عامل توتر، ما يجعل الأطراف المختلفة في لبنان، تتفق على (الشماعة) الفلسطينية ولنا في التجارب الماضية عبر مازالت ماثلة أمامنا، بما يوحي أن المخيمات الفلسطينية مازالت (بؤر توتر)، وأن الوضع الفلسطيني مخالف لمشاريع التهدئة والاستقرار في لبنان.
لايكفي شعبنا الفلسطيني في لبنان، حجم المأساة الانسانية والمعيشية التي يتعرض لها، بل يضاف لها مآس من نوع آخر، هي المخدرات والاشتباكات وفوضى السلاح من فصائل وقوى من المفترض أن تكون مسؤولة عن حماية اللاجئين والدفاع عن أمنهم واستقرارهم، والعمل بهدف تنظيم العلاقات مع الدولة اللبنانية والمؤسسات الدولية، بما يحفظ حياتهم الكريمة .
وتخرج البيانات والتصريحات تطالب بمنح شعبنا حقوقه المدنية والاجتماعية والخدمات المعيشية، وتعجز عن تأمين حمايته داخل المخيمات.
وخلال كل ذلك، تنظم الفصائل الفلسطينية المسيرات والمظاهرات داخل المخيمات وترفع الاعلام وتطلق الهتافات والشعارات تضامنا مع الأسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي.
حركة التحرر الوطني هي سياق نضالي وثوري عام، فلا يمكن لشعب يعاني الذل والقهر والرعب والهلع، ولم تتمكن القوى والفصائل من تنظيمه ورفع مستوى وعيه، لا يمكن لهذا الشعب أن تكون لديه القدرة على التضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال، ولا يمكن لهذا الشعب أن يحشد طاقاته في مسيرة النضال الفلسطيني من أجل التحرير والعودة.
كما لا يمكن لهذا الشعب أن يساهم في خيار المقاومة ضد الاحتلال وهو يتعرض لأبشع أنواع الذل والتجهيل والفوضى والخوف والهلع.
فمن يعتقد أنه ضد الاحتلال، ومن يستنكر ويدين سياسة الاحتلال، ومن يريد التضامن مع الأسرى عليه أن يضع كل ذلك في إطار النضال الوطني الفلسطيني العام.
وفي لبنان، فإن المسيرات والمظاهرات والخطابات ورفع الشعارات والتلويح بالرايات والكوفيات لا يخدم القضية ولا يدعم أسيرا ولا يبايع قائد، فالنضال على طريق التحرير والتضامن مع الاسرى ومقاومة الاحتلال تبدأ في لبنان بتنظيم الصفوف وحشد الطاقات ووضع حد للفوضى والسلاح المتفلت والمخدرات.
ذلك لأن ظاهر تدني المستوى التعليمي والتربوي، وتراجع مستوى الانتماء الوطني، إلى جانب حالة الخوف والقلق السائدة، بالاضافة إلى ارتفاع مستوى الفقر والقهر والحصار، وفوضى السلاح وإطلاق النار العشوائي والاشتباكات بين الفصائل والمجموعات المسلحة وتجار المخدرات واحدة من أخطر ما يتعرض له الشعب الفلسطيني داخل المخيمات.
فمن يريد تحرير فلسطين وإقامة الدولة والعودة إلى الوطن والتضامن مع الأسرى ورفض سياسة العدوان، عليه ان يكون وطنيا منظما واعيا بعيدا عن الفوضى والكسل والعجز .
تأمين الحماية والدفاع عن حق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بحياة كريمة، هي مسؤولية الفصائل الفلسطينية، وعليها أولا تنظيم السلاح داخل المخيمات، وسحب السلاح المتفلت وسلاح المخدرات والزعران وتجار الدم، ووضع البرامج الفعلية والعملية لإعادة الوعي الوطني وتنظيم الصفوف والعمل لتعزيز الوضع التربوي، وتنظيم علاقات واضحة المعالم مع السلطات اللبنانية، وممارسة الضغط على منظمات المجتمع الدولي وفي مقدمتها الأونروا لتأمين الخدمات الانسانية والمعيشية.
هذه مسؤولية الفصائل الفلسطينية، ومسؤولية كادراتها وقياداتها.