لا ودائع للبنان بل “فائض كرامة”

2 نوفمبر 2021
لا ودائع للبنان بل “فائض كرامة”
فؤاد حطيط
فؤاد حطيط

توزّع السعودية ودائعها المالية على “أصدقائها”: 3 مليارات دولار لمصر مع تمديد أجل ودائع سابقة قيمتها 2,3 مليارين، و3 مليارات لباكستان مع 1.2 مليار لتمويل التجارة لدعم ميزان مدفوعاتها.

أما لبنان الذي بات “غير صديق” للسعودية والخليجيين منذ استحكم “حزب الله” به وأدخله في المحور الإيراني وعلى خطوط التماس ضد بيئته العربية الحاضنة، فإنه في محنته الاقتصادية والمالية، يجد نفسه “فائض الكرامة”، مما يغنيه عن الشحّ في خزانته، وهو الذي يشحد من الجميع ما يكفيه شر الانهيار الشامل.

“فائض الكرامة” استجلب لنا مازوتاً وسلعاً إيرانية مدفوعة الثمن دون مستوى ما اعتاد عليه اللبنانيون، فيما “الودائع” الإيرانية تذهب فقط إلى المجهود الحربي لـ”حزب الله” حتى تمكّن من بناء ترسانة صاروخية يهدّد بها إسرائيل، وتجهيز مئة ألف مقاتل تدريباً وتسليحاً يهدّد بهم “شركاء الوطن” الآخرين، كلما زلّت قدمه في “عين الرمانة”.

لم تبخل السعودية على لبنان دعماً لوقت طويل، هبات وودائع، وكان ذلك بمثابة استثمار للحفاظ على وداعة تركيبته، بتعدده، أخذ مداه الأوسع في رعاية المملكة الاتفاق الذي أنهى سنوات طويلة من حرب أهلية دموية، وأصبح دستوراً للبلد (الطائف) موفراً فرصة ازدهار وإعمار قلّ نظيرها، اقترنت مع مجيء رفيق الحريري إلى الحكم، حتى إذ اغتيل الحريري الأب، كانت الاستهدافات واسعة جداً أودت إلى ما نراه حالياً: لبنان “الوديع” الصيغة والميثاق والطائف لم يعد موجوداً.

صرنا في لبنان المغلوب على أمره من “حزب الله” الوكيل الشرعي لولاية الفقيه الإيرانية بمطامعها التوسعية في المنطقة.

خلال مرحلة ما بعد الاغتيال، كانت السياسة كباشاً ما بين 8 آذار لجماعة “المحور الإيراني” وبين 14 آذار لجماعة “المحور السيادي”، لكنه كان كباشاً غير عادل، إذ كان السياديون يربحون في الانتخابات، لكنهم يخسرون في السلطة بسبب طغيان “الدويلة المسلحة”، حتى أحكم الإيرانيون يدهم على البلد ونجحوا في فرض تعيين رئيس على قياس رغباتهم.

هذه الدورة العبثية من الرهانات الخاسرة، أرادت السعودية التنصّل منها تماماً، مع وصول القيادة الجديدة إلى الحكم بمبايعة الملك سلمان بن عبد العزيز في 23 كانون الثاني 2015، والترتيبات الداخلية لوصول الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد.

كانت القيادة السعودية الجديدة واضحة منذ البداية، إذ شهرت “الحزم” في سياستها الخارجية وخصوصاً في اليمن، حيث نفّذ الحوثيون انقلاباً بدعم إيراني صريح وبمشاركة “حزب الله”.

ومن دون الكلام المسيء من قِبل “الوديعة الحوثية” وزير الإعلام في حكومة ميقاتي، كانت الأبواب السعودية مغلقة تماماً أمام أي حكومة يشارك فيها “حزب الله” لأنها حكومة تأخذ لبنان رهينة المصالح الإيرانية.

انتهى زمن الودائع والوداعة. وبدلاً من محاولات مكلفة جداً لشد لبنان إلى الحاضنة العربية، دخلنا الآن في نفق “النبذ” مع كل تبعاته.