فجّرت التصريحات غير المسؤولة لوزير الإعلام والتصريح الأرعن لوزير الخارجية اللبناني بحق المملكة العربية السعودية ودول الخليج أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة، إذ تخشى الأوساط في لبنان أن تنعكس سلباً على العاملين والمستثمرين اللبنانيين في الخليج والمستثمرين والمودعين الخليجيين في لبنان.
فأولى الإجراءات التي اتخذتها المملكة كانت بحظر جميع الواردات من لبنان إضافة الى إيقاف كل أنواع التبادل التجاري بين البلدين. طبعاً، تبعتها دول مجلس التعاون الخليجي وفرضت حظراً على التبادل التجاري مع لبنان.
ويصل حجم التبادل التجاري بين لبنان ومجلس التعاون الخليجي إلى 308 مليارات دولار أميركي سنوياً منها 1.2 مليار دولار صادرات من لبنان والباقي عبارة عن تدفقات ماليّة ناتجة من العمالة اللبنانية في الخليج إضافة الى الاستثمارات التي تغطي مجالات عدة وبخاصة القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية والمصرفيّة.
ولكون القطاع الزراعي يُعتبر من أهم القطاعات التي تؤمّن إنتاجاً قابلاً للتصدير ولكون دول مجلس التعاون الخليجي تستورد من لبنان جزءاً كبيراً من حاجاتها من المنتجات الزراعية، فحسب أنطوان الحويك، ونقلاً عن جمعية المزارعين في إحصائياتها لعام 2020، أشار إلى أن “صادرات لبنان الزراعية لدول الخليج بلغت 145 مليون دولار منها 24 مليون دولار صادرات للسعودية”، لافتاً إلى أن “دول مجلس التعاون الخليجي تستورد من لبنان نصف صادراته من الإنتاج الزراعي”.
من جهة أخرى، ولكون القطاع الصناعي يُعتبر أيضاً من القطاعات التي تساهم في تعزيز الصادرات إلى دول مجلس التعاون الخليجي، قال نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش: “حذرنا كجمعية صناعيين منذ سنوات من ضرورة فصل السياسة عن الاقتصاد. وبعد تدهور العلاقات الديبلوماسية بين البلدين ومجلس التعاون الخليجي، جاءت تداعياتها على شقين: في الشق الأول، كان يشكل حجم التصدير 240 مليون دولار إلى المملكة عام 2020 ومجموعه مليار ومئة مليون للخليج العربي، إذ كان هدف الجمعية بعدما انخفضت الكلفة الانتاجية هو زيادة الصادرات ضعفين إلى معظم البلدان وبخاصة الخليج.
وبالتالي، لم نخسر فقط 240 مليوناً بل وصلت خسارتنا الى 500 مليون دولار.
وهذا كان جزءاً من هدفنا عام 2022 بعدما افتتحت أسواق المملكة مؤخراً اثر الإغلاق الطويل بسبب كورونا”، مشيراً في الوقت عينه الى أن “الأخطر من ذلك أنه منذ قضية ضبط شحنة من المخدرات موضبة ضمن منتجات زراعية، بعض المصانع المختصة في صناعة المواد الغذائية بدأت تستثمر في الخارج ومنها مسقط وقبرص وتركيا، ولكن اليوم بسبب وقف الصادرات من لبنان، نتخوّف من أن تخطو بعض المصانع الخطوة عينها وتنتقل الى الخارج. لذا، وضعنا صعب جداً ونحن في نفق أسود لا نعلم نهايته”.
حكماً نتيجة تدهور العلاقات، فإن القطاع التجاري سيواجه مشكلة إضافية الى المشاكل التي يواجهها، إذ أشار نائب رئيس جمعية تجار بيروت جهاد تنير الى أن “القطاع التجاري سيتأثر كثيراً في الأشهر المقبلة بعدما أعلنت المملكة وقف جميع الواردات الى لبنان ووصلت الأمور إلى وقف البريد السريع وجميع شركات الشحن أوقفت رحلاتها الى المملكة، متمنياً أن لا ينسحب ذلك على التحويلات والرحلات الجوية لما له من ضرر على الاقتصاد اللبناني”.
تجدر الإشارة الى أن لبنان خلال تموز 2004 استطاع أن يوقع كأول دولة عربية وأجنبية على اتفاقية مع دول مجلس التعاون الخليجي.
هذه الاتفاقية جعلت من الاسواق الخليجية سوقاً للإنتاج اللبناني بالنظر الى قربها الجغرافي وكلفتها الأقل من ناحية الشحن والنّقل، لكن يبدو أن السلطة اللبنانية ضربت عرض الحائط أهمية هذه الاتفاقية ووضعت كل تبعات خسارتها سيفاً مصلتاً على رقاب اللبنانيين.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة أن “لبنان بحاجة ماسة الى العمولات الصعبة، وتعتبر السوق الخليجية المصدر الأساسي لوجود هذه العمولات.
على اعتبار ان لبنان بحاجة الى 10 مليارات دولار سنوياً لتأمين الخبز والدواء والمحروقات والكهرباء والاستشفاء، فإن ما نسبته 35% من هذا المبلغ يعتمد بشكل أساسي على الصادرات وتحويلات العاملين لدول الخليج. هذا يعني أن مزيدا من التدهور في الوضعين المالي والاقتصادي سيشهده لبنان نتيجة لما حصل”.
ويلفت الى أنه “في العام ٢٠٢٠، حقق لبنان أرقاما تصل الى ٣.٨ مليارات دولار في تبادلاته مع دول الخليج، وبقيت السعودية تحتل الجزء الأكبر اذ أنه في عام ٢٠١٩ سجلت أرقام الصادرات 506 ملايين دولار موزّعة بين قطاعات عدة أهمّها البلاستيك والمجوهرات والصادرات الزراعية.
يُضاف اليها تحويلات وتدفقات مالية قد تدفع الرقم الى 104 مليارات سنويا”، معتبرا أن “تداعيات القرار الخليجي لوقف التعامل مع لبنان سيؤثر بشكل سلبي في تحويلات ما بين ٣٥٠ -٤٠٠ الف عامل حيث تعد دول مجلس التعاون مصدراً رئيسياً لتحويلاتهم المالية الى لبنان وتمثل هذه التحويلات ما يقارب 20% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني”، مشيرا الى أن “القطاعات السياحية بأكملها كانت ترتكز الى السياح الخليجيين الذين يشكلون ربع إجمالي زوّار لبنان سنوياً وإن توقّف السّياح الخليجيين وبخاصة الأثرياء عن المجيء الى لبنان سيعمّق المشكلة وسيحرم لبنان مما يقارب نصف مليار دولار إضافية سنويا”.
وبحسب تقرير الهيئة العامة للإحصاء لعام 2019، تُعتبر السعودية أكبر اقتصاد عربي وبالتالي فإن حظر التبادل التجاري معها يهدد لبنان بخسارة 250 مليون دولار سنويا كرقم ناتج من الصادرات الزراعية والصناعية إضافة إلى المجوهرات والمعادن الثمينة.
بعد الاشارة الى عمق مخاطر وقف التبادل التجاري، فإن التقديرات تشير الى أن عدد الشركات الخليجية المسجلة في لبنان بلغت نحو 215 شركة بحجم رأس مال يزيد على 10 مليارات دولار والأهم الآن أن لا تنعكس الأزمة إقفالا لهذه الشركات وانسحاب لمبلغ رأس المال.
ويرى علامة أنه “كان على السلطة اللبنانية ان تدرك أن افتعال أزمة حقيقية مع اي من دول مجلس التعاون الخليجي المرتبطة في ما بينها بعقد تكامل وتكافل سياسي واقتصادي، سيؤدي الى نتائج كارثية على الواقع اللبناني.
فالكلفة الاقتصادية والمالية على لبنان ستكون باهظة الثمن وستشكل ضربة اقتصادية قاسية لما تبقى من القطاعات الانتاجية في البلاد”.