“جبران أند كو” والطبيب الفلسطيني

10 ديسمبر 2021
“جبران أند كو” والطبيب الفلسطيني
عالية منصور
عالية منصور

يعاني لبنان أزمة مالية واقتصادية لم يعرفها سابقاً، حتى في سنوات الحرب الاهلية لم يصل اللبنانيون الى الوضع الذي وصلوا اليه اليوم، فوفقا لدراسة أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” في ايلول من العام الحالي بعنوان “الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهَمة”.


فإن الفقر أصبح يطال 74% تقريبًا من مجموع السكان.


وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82% من السكان”.

بينما كان على سبيل المثال ووفقا لـ”الإسكوا” ايضا 28% من اللبنانيين يعانون من الفقر عام 2019.

منظمة الصحة العالمية بدورها كانت قد أصدرت بيانا مشتركا لمديرها العام تادروس أدهانوم ومدير منطقة الشرق الأوسط أحمد المنظري بعد زيارة لهما الى لبنان، ذكرت فيه ان “ما يقرب من 40% من الأطباء في لبنان و30% من الممرضات المسجلات غادروا البلاد بالفعل إما بشكل دائم أو موقت بسبب الأوضاع”.

قطاع التعليم كذلك الامر، يعاني من خطر الانهيار، فبعدما كان لبنان مستشفى الشرق وجامعته ومدرسته، صارت كل قطاعاته مهددة بالسقوط ان لم تسقط فعلا بفعل الازمة المالية والاقتصادية الحاصلة، والتي هي اساسا بجذورها ازمة سياسية بسبب الغياب الكامل للدولة في ظل سيطرة “حزب الله” على مفاصل الحكم والحدود وبسبب ما لحق من أضرار في علاقات لبنان العربية والخليجية خصوصاً جراء تدخل “حزب ال”له السياسي والعسكري في عدة دول، وجاء فيروس كورونا ليزيد على المآسي مأساة وليضرب ما تبقى على جميع الاصعدة.


وعلى الرغم من ذلك كله، الا ان شيئا لم يمنع شريك “حزب الله” الاساسي وحليفه التيار الوطني الحر من الاستمرار بخطابه العنصري والطائفي وسياسة العنجهية التي يتفنّن بها تحديداً رئيسه جبران باسيل.


ويقول قدامى المناضلين في التيار ان جبران لا يملك اي تاريخ يذكر معهم بنضالهم ايام الوصاية السورية على لبنان، لكن الاكيد ان لجبران تاريخاً طويلاً من الخطابات العنصرية والتصرفات الذكورية والسياسات الطائفية، وبالتأكيد جبران ليس وحده، فعندما يتعلق الامر بالعنصرية والطائفية يصبح لجبران حلفاء كثر حتى لو كانوا اشد خصومه بكل ما عدا ذلك.

اول من أمس أصدر وزير العمل مصطفى بيرم قرارا حدد بموجبه المهن التي يحق للبنانيين مزاولتها حصراً، وسمح للاجئين الفلسطينيين بالعمل في كل المهن الأخرى، لينهي بذلك حظراً سابقاً، وحدد القرار المهن التي يختص بها اللبنانيون فقط، وأبرزها الوظائف في الإدارات العامة والمهن الحرة والقطاعات التجارية والسياحية والمصرفية والتقنية، فيما سمح للفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية، والمسجلين بشكل رسمي، بالعمل في المهن الأخرى.

وذكر بيرم أن “الجانب الإنساني كان أحد الدوافع وراء القرار”، وبالتالي صار بامكان الفلسطيني الذي ولد وتربى وتعلم في لبنان العمل بنحو 70 مهنة كان ممنوعا من ممارستها، كالطب مثلاً.

ولكن ما هي الا ساعات على صدور القرار حتى صار “الكيان اللبناني” مهدداً، وصار القرار توطينا مقنعا كما وصفه باسيل “أند كو” ومخالفا للدستور. حتى ان باسيل دعا النقابات “لكسره امام مجلس شورى الدولة، واللبنانيين لعدم الالتزام به”، مهددا بالقول “ما بتمرق هيك قصة”.

حزب الكتائب بحلته الجديدة الثورية لم يستطع الا ان يكون موقفه مشابها لموقف باسيل، ولكن مع اضافة مصطلح “المنظومة” الدارج في البيان الذي اصدره رفضا للقرار واتهامها، اي المنظومة”، بالوقوف وراء القرار، إذ اعتبر ان السماح للفلسطينين بممارسة “عشرات المهن هو اعتداء على حق اللبنانيين، وترسيخٌ لوجودهم الدائم في لبنان فيما اللبنانيون يهاجرون، مؤكداً رفضه جملة وتفصيلاً لهذا القرار الذي يخفي نوايا مبيتة وخبيثة، تبدأ بالتوطين ولا تنتهي بتغيير وجه لبنان”.

في العام 2017 أظهر إحصاء نشرته السلطات اللبنانية أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يزيد قليلاً على 174 ألفاً، علماً أن التقديرات المتداولة كانت تتحدث عن أعداد أكبر بكثير تصل إلى 500 ألف.

وأجرت هذا الإحصاء وهو الأول من نوعه في لبنان لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني التابعة للحكومة اللبنانية، والتي يغطي عملها 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين و156 تجمّعاً للفلسطينيين، وشارك باللجنة ممثلون عن الاحزاب والطوائف كافة.

لكن ولأن هذا الرقم اي الـ174 ألفاً و22 فلسطينياً الذين يعيشون في لبنان، لا يناسب الخطاب السياسي لبعض الاحزاب، ولانه لا يشكل “فزاعة” كما هي الحال مع رقم نصف المليون فلسطيني، فسرعان ما اختفى الرقم من التداول السياسي وعاد رقم النصف مليون واكثر ليحل محله.


كيف لا واعطاء اذن لطبيب فلسطيني ولد وعاش ودرس الطب في لبنان صار توطيناً مقنعاً وتغييراً لصورة لبنان.


ألم يتنبّه هؤلاء أنفسهم كم تغيرت صورة لبنان منذ تسلموا الحكم؟ ألم يتنبهوا الى ان هذا الطبيب اللبناني الذي عمل لعشرات السنوات في لبنان، ترك لبنان هربا منهم في اول فرصة؟ فهل حقا يظنون ان هذا الفلسطيني باق هنا طمعاً بتغيير صورة لبنان؟

لبنان الذي نعرفه تغير، وصورة لبنان تغيرت، لكن لم يغيرها عمل الفلسطيني او غيره من أم لبنانية، بل غيرها جبران باسيل “اند كو” عندما قرروا الرضوخ الكامل لـ “حزب الله” طمعا بالمنصب.

ليت “جبران اند كو” يعلمون انه لم يعد بامكانهم ادانة عنصرية شربل وهبة ضد الخليجيين والمسارعة لاعلان تضامنهم مع الخليجي حفاظاً على وظائف محازبيهم في الخليج، وفي الوقت عينه ممارسة كل انواع العنصرية ضد الفلسطيني ومنعه من العمل.

المصدر لبنان الكبير