لا يكفّ قادة حزب إيران في لبنان عن إدهاشنا بأدائهم وخطابهم وخلاصاتهم الفكرية المميزة.
وهذا نهج مستدام وليس ابن ساعته ولا وليد لحظة مأزومة، وليس تعبيراً عن ضرورات تفرضها “ظروف المعركة” وأدواتها وآلياتها.
منهج ثابت في عالم متغيّر. والإدهاش المتأتي عنه صار يقارب العادة السيئة! لكنها عادة حتمية ولا مهرب منها بفعل التكرار والإصرار، على ما تفصح عنه مبادئ علم النفس!
قبل الآن بكثير وقليل، حكى قادة الحزب الإيراني في بيروت كلاماً كثيراً وكبيراً يدّل في خلاصته وزبدته، على أنهم غير مكترثين ولا معنيين ولا مهتمين بأي مواربة أو تلطيف أو تسويق عند الغير لأدبياتهم ومنطقهم وسياساتهم وارتباطاتهم، بل جلّ المرام والمقام هو إبلاغ الأغيار هؤلاء بأنهم غير منظورين في حسابات الخلاصات الكبرى، ولا في السعي المحموم لإكمال مشروع الولاية مثلما يحدّده الولي الإيراني، ولا بتفسير عبوره إلى البلاد والنواحي والدساكر المشمولة بتلك الولاية، شاء أهلها وأصحابها وأنواعها، أم أبوا… وبغضّ النظر والبصر عن معاني ذلك السعي وأثمانه وأكلافه، بشرياً ومادياً وإنسانياً ومالياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وفتنوياً، وأي كلام آخر، هو غير ذي جدوى ولا يُعتّد به ولا يؤخذ لا في جملته ولا في متفرّقاته.
قبل دعوة الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لذلك الحزب، من لا يعجبه الحال في لبنان “المقاومة” إلى التفتيش عن مكان آخر وعالم آخر، حكى مسؤولون آخرون من ربعه عن عدم وجود “أي معنى” لبلد الأرز قبل هذه المقاومة! وعدم وجوب بقائه والأخذ به إذا لم تعد تلك موجودة ومنتصرة وجلاّبة كرامات كبيرات وفيرات وحرزانات! وصانعة أمجاد وانتصارات وفتوحات مجيدات، وعزّ عميم لا يليق بغير الأوفياء والأنقياء والثقات!
وليس ذلك الكلام سوى ترجيع صدى لما فعله ويفعله حزب إيران في لبنان عملياً وميدانياً.
والذين يطلقونه لا يفعلون في واقع الحال سوى السعي إلى إفهام كل من عليها أنّ المكاسرة والمكابرة في رفض ذلك الضنى ومنتجاته لا تعنيان شيئاً، ولا تغيّران حرفاً، ولا تبدّلان واقعاً تمّ فرضه بالقوة وليس بالجدال، وبالنار وليس بالسياسة، وبصندوق الذخائر وليس بصندوق الاقتراع… ولا يهم عند هؤلاء المبلغين والناطقين كيف يكون وقع كلامهم وبلاغهم، بقدر اهتمامهم بـ”تفسير” و”شرح” مستجدات الأرض والميدان لمن لا يريد أن “يستوعب” أو يرضى أو يسكت!
والمشكلة تماماً هنا: هذا حزب يفترض أنّ تدمير ما تبقى من مقوّمات الدولة اللبنانية يُسمح له بتمتين دويلته.
وأنّ تعميم العوز والفقر يجعل منه متقدّماً بين متأخرين، وأنّ تأزيم علاقات البلد بالخارج القريب والبعيد، وإبقاء التوتر عنواناً بارزاً في جدول أعماله، ذلك كله يزيح “النقاش” في شأنه وسلاحه وأدواره وارتباطه وأكلافه، من مكانه الصّح والمركزي إلى المكان الغلط والفرعي… وأنه في ذلك يكتم ويموّه استراتيجية المشروع الإيراني بهوامش ومتفرّقات كثيرة وبعيدة عن أصل الموضوع وفصله! وفي هذا، يصير الكلام الصادم والبعث على الاندهاش رديفاً للسياسة المتبعة والنهج المعتمّد ومتمّماً لا بدّ منه لعدّة السعي والبلوغ!
“المدهش” في هذه السيرة هو أنّ أصحابها مستمرّون في اعتمادها والعمل بموجبها برغم دلالتها على فشل متراكم وأكيد، وإن كان توصيف ذلك الفشل عندهم هو انتصارات وأمجاد وفتوحات تستوجب في كل مرة دعوة من لا يؤمن بها أو يصدقها، إلى التفتيش عن “وطن” آخر، على ما جاء في كلام الشيخ نعيم!