تعاني “القوات اللبنانية” من حالة “شيزوفرينية” غير مسبوقة، تتمثل بتخيلات وأفعال غير واقعية أسمتها “هجوم تيار المستقبل”، وراحت تواجه المرض الخيالي بفكرتين تقليدتين: الأولى، أن هذا “هجوم” يستفيد منه خصوم “القوات” المسيحيون كـ”التيار الوطني الحر” و”المردة” وأنه يضعضع الموقف السيادي تجاه “حزب الله”؛ والثانية، أن الحزب أنشا ألفي حساب وهمي بأسماء سنّية لمهاجمة “القوات”.
مواجهة قريبة جداً لفكر “حزب الله” الذي يعتبر كل من يعارضه عميلاً أو داعشياً.
هذه حالة قواتية بعيدة عن الحقيقة بأن السنّة وجمهور “المستقبل” والحريريون اكتشفوا حقيقة “القوات” ووقاحتها، فلا حملة على “القوات” ولا من يحزنون، بل هناك تعجرف “قواتي” واضح “ووقاحة” في مخاطبة جمهور الحريري، تمثلا في موقف سابق لرئيس “القوات” سمير جعجع فصل فيه القاعدة عن القيادة وبآخر متجدد أصرّ فيه على التنسيق مع جمهور “المستقبل” على الرغم من اعلان الحريري عزوفه وتياره عن الترشح وتعليق العمل السياسي غير التقليدي، ليتوّجا تراكمات من الأخطاء القواتية التي صبت باكملها لمصلحة “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.
مواقف الحكيم غير الحكيمة في الفترة الأخيرة استفزت جمهور الحريري، فغاب عن جعجع أن هذا الجمهور الذي كان يحفظ “شعرة معاوية” مع القوات، ظناً منه أن الحكيم سيستيقظ من حالته وسيعترف بالاخطاء التي ارتكبها وسيعود إلى السكّة السيادية الحقيقية، بات مرتاحاً لكشف الحقائق ومواجهة التذاكي القواتي.
قد يصح القول ان أي صراع او اشتباك بين طرفين سياديين يستفيد منه “حزب الله”، لكن لا بد من التوقف عند أمرين: الأول أن “القوات” لم تترك فرصة منذ العام 2019 إلا وقامت بها بمواجهة الحريري، حينذاك وحتى اليوم ألم تكن تدري “القوات” أنها تضيّع البوصلة وتخدم “حزب الله”؟ والثاني أن جمهور “المستقبل”، الذي لم يبلع “حزب الله”، لفظ “الوطني الحر” واليوم حان موعد لفظ “القوات”.
اولاً: لفظ “القوات” لأنها فرضت مرشح “حزب الله” ميشال عون على الرئيس سعد الحريري “نكاية” برئيس “المردة” سليمان فرنجية، فلا مبرر لدى جعجع سوى هذه الحجة.
وإلى اليوم يرفض الاعتراف بانه من “انبطح” لـ”حزب الله” بهكذا خيار، في وقت كان بين مرشحي “8 آذار” الأكثر اماناً في ذلك التوقيت سليمان فرنجية احد اربع مرشحين سمتهم بكركي.
وخصوصاً بعد نحو 44 جلسة التزم فيها الحريري بدعم حليفه جعجع.
ثانياً: لفظ “القوات” لأنها ابرمت “اتفاق معراب” الذي شكّل ضربة للدستور و”اتفاق الطائف”، وكشف حقيقة “قواتية” مبنية على المحاصصة والتعيينات والحصص الوزارية، من دون أن يعلم الحكيم حليفه الحريري بها. وكانت الوقاحة أن “القوات” أوصلت عون إلى بعبدا وتريد تحميل الحريري المسؤولية.
وابرمت اتفاق معراب وتريد تحميل الحريري مسؤولية فشله.
وما تم الترويج له على قاعدة “اوعا خيك” مسموح لـ”القوات” وممنوع على الحريري. وللتاريخ فإن “بيت الوسط” خاض معارك الى جانب “القوات” في تشكيل حكومة العهد الأولى.
ثالثاً: لفظ “القوات” لأنها لم تتحرك لاقالة ميشال عون، حماية لموقع رئاسة الجمهورية بعكس تعاطيها مع رئاسة الحكومة خلال ركوبها موجة “17 تشرين”، وبدلا من أن تكمل الطريق لاسقاط الطبقة السياسية انكفأت عن قطع الطرق بعد استقالة الرئيس الحريري وصمتت على رئاسة حسان دياب للحكومة، وحمت بعبدا وقصرها.
ولو كانت التصريحات الخجولة القواتية جدّية باستقالة عون لكنّا رأينا “القوات” ينصبون الخيم على طريق القصر ولكان جمهور “المستقبل” معهم حينها، بدلاً من ذلك، راحت “القوات” تعبث بموقع رئاسة الحكومة وعدم تسمية الحريري أو غيره، فلم يعجبها مصطفى أديب ولا حسان دياب ولا نجيب ميقاتي وانسجمت مع “حزب الله” بعدم تسمية الحريري، وكأنها العالمة بمصالح هذا الموقع.
رابعاً: لفظ “القوات” لأنه حزب اصيب بعدوى “الرئيس القوي” التي تتعارض مع “الطائف” والدستور والحياة الديموقراطية، مما دفع القوات إلى المزايدة المسيحية ظناً منها أنها تكسب مزيداً من النواب لتكون أكبر كتلة مسيحية تفرض فيها على الآخرين وصول جعجع إلى بعبدا، فيما اثبتت التجربة أن ما من فشل سياسي أكبر من إدّعاء “الرئيس القوي”.
فالتاريخ أثبت أن الرئيس المطلوب للبنان هو الرئيس الحكم القادر على جمع اللبنانيين… كل اللبنانيين.
خامساً: لفظ “القوات” لأن كل هدفها يرتبط بكرسي، وعدّة الوصول إلى هذا الهدف الايحاء بأنها تواجه “حزب الله”، ومن يعود إلى التاريخ القريب لاكتشف أن هذه المواجهة مقتصرة على بيانات وتغريدات من تلّة معراب.
وعند المواجهة الحقيقية سارع لايصال مرشح حزب الله إلى الرئاسة.
فالمهم المصلحة المحاصصاتية. أنسينا الغزل الجعجعي بحق النائب السابق نواف سلام؟ انسينا لقاءات نواب وكوادر من القوات بـ”حزب الله”؟
سادساً: لفظ “القوات” لأنها شاركت في الترويج أن “تفجير المرفأ” هو ضد المسيحيين بدلا من ان يكون تفجيرا طال كل الوطن، وعلقت في شباك هذا الترويج من دون أن تعرف كيف تخرج منه.
سابعاً: لفظ “القوات” لأن تحويل حدث دموي إلى انتصار سياسي أمر سهل بالنسبة إليها، في وقت يحتاج لبنان إلى تبريد واستقرار، علماً أن احداث الطيونة لا تزال مجهولة الحقيقة وبرسم القضاء.
ومن يقارن كيف تعاطى الرئيس الحريري ورئيس “التقدمي” وليد جنبلاط مع حادثتي خلدة وشويا لعلم كيف يتصرف الرجل المسؤول.
ثامناً: لفظ “القوات” لأنها وقفت بوجه قانون العفو عن السنّة في السجون، بحجة أن هناك من قتل عناصر من الجيش.
وهي مقاربة غريبة في تشريع قتل البشر إلاّ الجيش، فيما الحقيقة أن السجون تضم آلاف الابرياء الذين لم يحاكموا بعد، وخارج السجن آلاف القتلة الذين يستحقون التوقيف والحبس.
تاسعاً: لفظ “القوات” لأنها انجرفت نحو خطاب “الوطني الحر”، وباتت تزايد عليه بحقوق المسيحيين بحثا عن تسجيل نقاط في المعركة الرئاسية المستحيلة للرجلين “جبران وسمير”، وعن صلاحيات لرئاسة الجمهورية بعيدة عن الدستور.
وما سكوت جعجع عن تعاطي رئيس الجمهورية مع الرئيس الحريري إلا موافقة على ضرب “الطائف”.
عاشراً: لفظ “القوات” لأنها تحاول أن توحي أنها ممثل السعودية في لبنان، ظناَ منها أنها قادرة بذلك ان تخطف انظار السنّة في لبنان، ولا ينقص سوى ان تطلب “القوات” عودة السفير كي يحج إلى معراب لتلبية مصالح القوات الانتخابية… فعلا انهم يجهلون السعودية التي تقف على مسافة واحدة من الجميع وتعاملها مقتصر على الدولة وليس على اشخاص، كما انها لا تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي… بكل الاحوال هناك مبادرة خليجية واضحة ماذا فعلت القوات لأجلها؟ ومنذ العام 2005 حتى اليوم ماذا قدمت “القوات” بمواجهة “حزب الله”؟ لا شيء، وماذا قدمت للبنان واللبنانيين؟ لا شيء.
خلاصة القول: السنّة يكنّون الخصومة لـ”حزب الله” ولحلفائه، ولم ولن يضيّعوا البوصلة، بل “القوات” ضيّعتها. والخصومة لم تعد مقتصرة على “8 آذار” بل تنسحب على “القوات اللبنانية”… فما زرعته يا حكيم حصدته والنتيجة: كش ملك.