لا شك في أن الإنتخابات النيابية في دائرة الشوف وعاليه من أبرز المعارك التي ستشهدها البلاد في أيار 2022 لاسيما أن العديد من مقاعد هذه الدائرة الثلاثة عشر مرتبطة بمقاعد نيابية في دوائر أخرى كدائرة بيروت الثانية مثلاً.
في هذه الدائرة ذات الثقل الدرزي المتمثل بأربعة مقاعد نيابية، تنصرف القوى الحزبية والبيوتات السياسية وشخصيات المجتمع المدني الى وضع اللمسات الأخيرة على اللوائح لاسيما أن حضور المجتمع المدني في هذه الدائرة برز بشكل كبير في إنتخابات العام 2018، ويتوقع أن يكون له حضور أقوى هذا العام في حال توحدت لوائحه مع العلم أن هذا الأمر يبدو صعب المنال حتى هذه الساعة، وفشله لن يخدم إلا ما يعرف بالممانعة الدرزية القادرة على استحواذ مقاعد نيابية عبر لعبة الحواصل إذا تشرذم الصوت المعارض الذي يعطيه الحزب “التقدمي الاشتراكي” أهمية كبرى ويراه لاعباً أساسياً في انتخابات 2022.
في تفاصيل هذه الدائرة، نجح الحزب “التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” في تقسيم الترشيحات في ما بينهما في قضاء عاليه حيث المقاعد النيابية الخمسة التي ستكون حسب المعطيات الأخيرة على الشكل التالي: أكرم شهيب عن المقعد الدرزي، إميل مكرزل وهو قيادي في “القوات اللبنانية” عن المقعد الماروني، راجي السعد عوضاً عن هنري الحلو عن المقعد الماروني وسامر خلف عن مقعد الروم الأرثوذكس.
شهدت هذه الدائرة أخذاً ورداً بين المختارة ومعراب خصوصاً بشأن المقاعد المسيحية، إذ يريد رئيس “القوات” سمير جعجع هذا العام ترشيح ماروني عوضاً عن أنيس نصار الأرثوذكسي مما اصطدم في لغة الحواصل والأرقام برغبة رئيس “التقدمي” وليد جنبلاط في ترشيح راجي السعد إبن شقيق النائب السابق فؤاد السعد والمدعوم من المصرفي أنطوان صحناوي والذي كان ضمن لائحة المصالحة في العام 2018 لكنه خسر مقعده آنذاك للعوني سيزار أبي خليل، إذ كان مرشح “التقدمي” الثالث عن هذه اللائحة بعد شهيب والنائب المستقيل هنري الحلو الذي حاز في العام 2018 على 7894 صوتاً ستذهب هذا العام للسعد الذي تربطه علاقة جيدة برئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط، لتصبح معركة عاليه هذا العام مبدئياً على المقعد الماروني بين كل من السعد ومكرزل اللذين يتشاركان اللائحة نفسها وأبي خليل.
وفي السياق، تأمل “القوات” التي أصرت على منسق منطقتها إميل مكرزل، أن تصل به الى الندوة البرلمانية لاسيما وأنه يتمتع بحيثية قواتية قوية في عاليه وتستطيع عبره أن تفرض معركة في وجه أبي خليل الذي يملك حيثية إكتسبها من زبائنيته خصوصاً عند تسلمه وزارة الطاقة.
درزياً، حسم وليد جنبلاط خيار ترك المقعد الدرزي الثاني شاغراً هذه المرة أيضاً على الرغم من كل الأصوات الحزبية والشعبية التي تمنت عليه إقفال عاليه درزياً في وجه طلال أرسلان وترشيح درزي آخر الى جانب شهيب، لاسيما أن قرار محاصرة جنبلاط إتخذ في الضاحية وبات أمراً واقعاً فرضته مواقفه العالية السقف تجاه “حزب الله” وتراجع حليفه التاريخي الرئيس نبيه بري في الساحة الشيعية. مع ذلك، لا يريد جنبلاط “تسكير” لائحة عاليه بمرشح درزي آخر على الرغم من قدرته على إسقاط أرسلان كما فعل في العام 2005 يوم رشح كلاً من شهيب وفيصل الصايغ في عاليه.
وفي الاطار، يتمسك جنبلاط برفيقيه في النضال أي شهيب ومروان حمادة ويقول انه ليس مع التغيير فقط للتغيير، بل يرى بحسب مصادره أن إبقاء شهيب وحمادة ضرورة اليوم بسبب طابع المعركة الانتخابية التي تأخذ منحى مرتبطاً بهوية لبنان، وتُلزم إبقاءهما صاحبي المواقف البطولية في شباط 2005 وأيار 2008 في وجه “حزب الله” الذي يُرشح شخصيات تصفها مصادر “التقدمي” بـ “المتسلّقة المتملقة الحاقدة على هذا الخط وعلى كمال جنبلاط نفسه”.
وفي السياق، لم تَحسُم الممانعة الدرزية طبيعة تحالفاتها بعد. ففي الوقت الذي تفضل فيه مرجعيتها في الضاحية الجنوبية، أن يتحد كل من أرسلان ووهاب و”القومي” والمستقلين الممانعين ضمن لائحة واحدة في عاليه والشوف، يفضل الوزير السابق وئام وهاب تجزئة المعركة الانتخابية مسوقاً لاقتراح في الشوف قوامه تحالفه مع “القومي” وناجي البستاني واللواء علي الحاج ومرشحي “التيار الوطني الحر” في لائحة واحدة يختزل فيها الصوت الدرزي الممانع لأسباب عدة أبرزها: أولاً، حسم خيار عدم ترشيح شخصية درزية ثانية من حصة وهاب أو “القومي” في عاليه لينفرد أرسلان عن الممانعة الدرزية في عاليه من دون أن يَسقط عنه لقب عضو المقعد الشاغر.
ثانياً، حسم المقعد الدرزي في بيروت على لائحة “حزب الله” لصالح أرسلان أيضاً، إذ أن “القومي” لن يتمثل بالمقعد الدرزي في بيروت ليكون هذا المقعد كذلك من حصة خلدة ويجري الاختيار بين صالح الغريب الذي يتفوق على أرسلان في ارتمائه في حضن الضاحية، والقيادي في الحزب “الديموقراطي” نسيب الجوهري.
في الشوف، يريد ميشال عون ترشيح فريد البستاني الذي تعتبر تجربته النيابية الحالية ناجحة ومقبولة من غير العونيين، لاسيما أن البستاني تباين مع النائب جبران باسيل في العديد من الملفات ويرى نفسه حليفاً لا عضواً في “التيار الوطني الحر”.
أما باسيل فيريد ترشيح غسان عطاالله إبن بلدة بطمة الذي قال يوماً انه يخاف النوم في الجبل في سياق حملة “التيار الوطني الحر” على “التقدمي”.
ويعتبر عطاالله من الوجوه النافرة المستفزة التي يستطيع باسيل عبرها إعادة أسطوانة “ردوا جراس الكنائس” التي عبرها واجه لائحة وليد جنبلاط و”القوات اللبنانية” في الشوف في العام 2018. وفي السياق، يسعى “التيار الوطني الحر” الى اختيار شخصية من الدامور ويرجح أن تكون من آل غفري، بعد قطع الطريق أمام ماريو عون الذي ثارت ثائرته بعد معرفة أنه تم إقصاؤه من استحقاق أيار.
أما عن المقعد السني، فمن المتوقع أن تضم لائحة الممانعة في الشوف الوزير السابق طارق الخطيب.
وتشير المعلومات حتى الساعة الى أن جنبلاط سيرشح الى جانب الدكتور بلال عبد الله، المحامي سعد الخطيب ابن بلدة برجا المقرب من تيار “المستقبل” والذي اختارته النخب السنية ممثلاً لها.
أما مسيحياً فالى جانب جورج عدوان مرشح “القوات”، إختار جنبلاط الدكتورة حبوبة عون إبنة المشرف والقيادية في الحزب “الاشتراكي”، تقديراً لجهود المرأة في حزبه وانطلاقاً من حرصه على تمثيل ساحل الشوف بوجه أكاديمي ناشط ومحبوب.
ولم يُحسَم بعد خيار ترشيح نعمة طعمة من عدمه لا سيما وأنه سيُنافس غسان عطاالله على المقعد نفسه.
وبحسب المصادر سيُحسم هذا القرار خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة مع إستبعاد خيار ترشيح يوسف نعمة طعمة.
الى ذلك، أصدرت مفوضية الاعلام في الحزب “التقدمي” بياناً نفت فيه كلاماً منسوباً الى وليد جنبلاط يربط فيه الانتخابات النيابية بسياسة الرئيس الاميركي جو بايدن تجاه الشرق الأوسط وعلاقة الرياض بواشنطن وخياراتهما في الساحة اللبنانية، ووضعته في خانة “السيناريوهات الغريبة”.
وفي حديث لـ “لبنان الكبير”، قالت مصادر قيادية بارزة: “إن هذا الكلام الصادر عن الغرف السوداء التي تسعى الى النيل من الحزب الاشتراكي ورئيسه باتت ممجوجة ومكشوفة من الرأي العام اللبناني”.
ولفتت الى أن “الانتخابات النيابية مصيرية بالنسبة الى جنبلاط على مستويين: الأول وطني بحيث أن لبنان يرزح تحت وصاية يمثلها المحور السوري – الايراني الذي يملي على البلد شروطه ويضع لبنان في مواجهة الحاضنة العربية.
اما الثاني فعلى مستوى الحزب إذ يواجه التقدمي ثلاثة أطراف: الأول متمثل بمطامع المحور السوري – الايراني الذي قرر كسر جنبلاط عبر وكلائه في الداخل، والثاني متمثل ببعض القوى المستقلة التي تنتهج سياسة الالغاء، والثالث متمثل باليأس الذي يسيطر على اللبنانيين في هذه اللحظة السياسية الحرجة من تاريخ وطن مهدد”.