تعافي لبنان هو العدوّ الأول لـ”حزب إيران”

4 يوليو 2022
تعافي لبنان هو العدوّ الأول لـ”حزب إيران”
عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان

ولا أي من المرشحين المعروفين للرئاسة، أو الذين يجري امتحانهم لترشيحهم، يمكن أن يجلب أي مساعدة خارجية يحتاج لبنان إليها ليبدأ الخروج من أزمته.

فمن يعملون للمجيء برئيس لديه المواصفات التي ظهرت لدى ميشال عون، وبسيناريوات التعطيل والفراغ ذاتها، انما يراهنون على مزيد من الانهيار، وليس على انقاذ البلد. الجهات الخارجية المهتمّة، أو المعنية، تعتبر أن الخيارات المطروحة حالياً للرئيس المقبل سيئة بمجملها وغير صالحة، لذلك فهي تركّز على وجود حكومة يمكن التعامل معها، ويُفضّل أن تكون ذات صلاحيات، وإذا تعذّر ذلك فلتكن مخوّلة فقط تصريف الأعمال رغم أنه في هذه الحال يصبح كل وزير “رئيساً” شكلياً لوزارته أو بالأحرى للمزرعة التي تديرها الجهة التي عيّنته في المنصب.

المتّفق عليه خارجياً أنه إذا أُريد احراز تقدّمٍ ما في قطاع حيوي كالكهرباء فلا بد من انتزاع وزارة الطاقة من سيطرة جبران باسيل والعونيين وفسادهم العلني، إذ مكثوا فيها طويلاً ولم ينجزوا سوى إغراق البلاد في الظلام. لكن هذه مجرّد خطوة في الألف ميل، وتبدو ممكنة الآن لأن عون سيغادر قصر بعبدا بعد مئة وعشرين يوماً، ويفترض ألا يدعم حلفاؤه تشبّثه بهذه الحقيبة تحديداً، رغم علمهم بأن “التيار” يعتبرها “الجائزة” التي تبرّر استمرار التحالف مع “حزب إيران/ حزب الله” عبر “وثيقة مار مخايل”.

لكن يجب اخراجهم أيضاً من وزارة الخارجية التي جنّدوها في خدمة هذا “الحزب” وتوجّهاته المختلّة وجعلوا منها وكراً لمعاداة المحيط العربي.

يتكرّر السؤال على ألسنة عرب وأجانب:

مَن يحكم في لبنان؟ كما لو أنهم لا يعرفون، أو أنهم يبحثون عن إجابة من مصدر أو مرجع لبناني عارف، ليتأكدوا من أن تقديراتهم صحيحة. وبعد أن يسمعوا أن “حزب إيران/ حزب الله” هو مَن يحكم يقولون إنهم يستنتجون ذلك فعلاً من أداء رئاسة الجمهورية وأساليب تأليف الحكومات وطرائق توجيه مجلس النواب، ومن خُطب حسن نصرالله التي تنعكس على السياسات العامة، ومن التقارير الخاصة المفصّلة التي يتلقّونها عن مجريات السياسة والإدارة، لكن مع ذلك يصعب عليهم تعقّب آثار “الحزب” وتدخّلاته على أرض الواقع.

مَن يعتمدون هذا المنطق يتجاهلون حقيقة أن رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة باتوا وكلاء سياسيين لـ “الحزب”، وبما أنه وكيل للمرشد الإيراني ولـ “الحرس الثوري” ويملي عليهم ما يجوز وما لا يجوز فقد أصبحوا تلقائياً موظّفين لدى إيران أو من يحكم لبنان باسمها.

تنسى الأطراف الخارجية أو تتناسى أن ما أوصل لبنان الى هذه الحال هو السلاح غير الشرعي وسجل الاغتيالات الذي راكمه “حزب إيران”.

فسلاحه وصفة دائمة للتهويل بإشعال اقتتال أهلي لم يعد أحد يريده في لبنان، ووسيلة اثبتت نجاعتها في تهميش الدولة وتحييد جيشها.

أما سجل الاغتيالات فقد استُخدم لتخويف رجالات الدولة والسياسيين وتهديدهم وانتهى الى رسم “الخطوط الحمر” التي لا يستطيعون تجاوزها.

وعلى ذلك فلا مجال لوصول أيّ “سيادي” أو “مستقل” الى مربّع السلطة والحكم، المتاحة فقط لمن يقبلون الأمر الواقع ويخضعون لإرادة “الحاكم الفعلي” الذي تخطّى كل الحواجز، مسيطراً على منافذ الحدود والمؤسسات الأمنية والسلطات القضائية، وبات يبث مفاهيمه في القطاعات الأخرى، ومنها التربية والتعليم.

وبهذا المنظور، حتّى لو التقت الارادات الخارجية على اختيار رئيس يتمتّع بالحدّ المطلوب من الوطنية والعقلاني – ومن الصعب أن تلتقي – هل يمكن “الحزب” أن يرضخ لمثل هذا الخيار.

وهل يمكن تخيّل رئيس للجمهورية متحرّر كلياً من القيود والالتزامات تجاه ميليشيا يعرف مسبقاً أنها يمكن أن “تقبعه” إذا وضع سلاحها تحت مجهر المساءلة.

أي دولة وأي حكم يأتي بعد الرئيس الحالي لا بدّ أن يلتزم المعايير العربية والدولية لإنقاذ البلد، وإلا فإنه سيتابع دفعه نحو جهنم.

ولكي يكون الأمر واضحاً فإن التعافي لن يأتي فقط من طريق صندوق النقد الدولي وبرامجه، فهذا مجرّد مسلك لضمان الإصلاحات المطلوبة، لكن وتيرة التعافي يمكن أن تتسارع أكثر من المتصوَّر في حال واحدة: استعادة العرب والمجتمع الدولي الثقة بلبنان.

ولن يحصل ذلك طالما أن إيران و”حزبها” مهيمنان

برهنت الأزمة المالية والاقتصادية أن الإصلاحات ضرورة لبنانية قبل أن تكون فريضة من المؤسسات الدولية، لكن يصعب على إيران و”حزبها” السير بالإصلاحات أو تسهيلها لئلا تدخل “المؤامرة الكونية” عليهما من باب الاقتصاد بعدما أوصدا أمامها باب السياسة.

ولا يمكن الرهان على تعديلهما سياساتهما لتصبح هيمنتهما مقبولة، فلا هما يستطيعان ولا حتى أي “تفاهم” أميركي – إيراني (بعد الاتفاق النووي) يمكن أن يمنحهما صكّاً يرخّص لهما سيطرة مفتوحة، قد يحصل هذا “التفاهم” يوماً ما لكنه لن يطلق الإشارة لتدفّق الاستثمارات على لبنان.

لا بدّ أن يدرك “حزب إيران” أمرين: الأول، أنه لا يستطيع أن يقتل ويُرهب طوال الوقت، وإذا كانت حجّته الحفاظ على سلاحه، فإن هذا السلاح أصبح بالنسبة الى اللبنانيين عنواناً لاستدراج التدمير الاسرائيلي للبلد أكثر مما هو وسيلة لـ “ردع العدو”.

لكن هذا الردع لن يكون فاعلاً إذا تحوّل “الحزب” وسلاحه رأس حربة في أي حرب بين إيران وإسرائيل، فعندئذ يصبح السلاح تهديداً للبنان واللبنانيين أكثر مما يبدو تهديداً للعدو.

أما الأمر الآخر فهو أن تجربة فرض رئيس مثل ميشال عون وتوظيف صهره في إثارة الفتن حصدت فشلاً ذريعاً لا يمكن “الحزب” أن يتبرّأ منه، وبالتالي فإنها لا يمكن أن تتكرّر، لكن المشكلة أن “الحزب” لا يستطيع الحكم إلا إذا كانت الدولة والمؤسسات معطّلة، وبالتالي فإن التعافي هو عدوّه الأول.