انتخابات بلدية بيروت: تعدّد اللوائح وتهديد المناصفة في غياب “البلوك الواحد”

9 مايو 2025
انتخابات بلدية بيروت: تعدّد اللوائح وتهديد المناصفة في غياب “البلوك الواحد”
زياد الغوش
زياد الغوش

‏بين الشوارع المتعبة والبنى التحتية المتداعية، وبين وجع الناس وخيباتهم، تعود العاصمة بيروت إلى واجهة الحدث من بوابة الانتخابات البلدية، وسط مشهد سياسي مبعثر، وواقع انتخابي مفتوح على احتمالات غير مألوفة. وللمرة الأولى منذ سنوات، تدخل القوى السياسية والفاعليات المدنية هذا الاستحقاق بلا “بلوك واحد” ولا لائحة توافقية تجمع الأطراف الأساسية كما كان يحصل في الدورات السابقة.

‏هذا التغيّر ليس تفصيلاً تقنيًا. ففي مدينة كبرى كبيروت، حيث التوازن الطائفي هشّ والتنوع السكاني واسع، شكّلت لوائح التوافق سابقًا صمّام أمان لتمثيل نسبي ومتوازن بين المسلمين والمسيحيين. ورغم أن قانون البلديات لا ينص على المناصفة كشرط، فإن العرف السياسي اللبناني لطالما فرضها كقاعدة غير مكتوبة في مجلس بلدية بيروت، لضمان نوع من التوازن في مدينةٍ تُختصر بها رمزية العيش المشترك.

‏تعدّد اللوائح: الديمقراطية أم التفكك؟

‏المشهد اليوم مختلف تمامًا. أكثر من لائحة تتنافس في بيروت، بعضها مدعوم من قوى سياسية تقليدية، وأخرى تحمل شعار التغيير أو تمثّل مبادرات مدنية وشبابية مستقلة. هذا التعدد، وإن كان يعبّر عن حيوية ديمقراطية مطلوبة، يعكس أيضًا حجم التشتّت والانقسام داخل الصف الواحد، لا سيما في غياب رؤية موحّدة أو مشروع بلدي متكامل.

‏غياب “البلوك الواحد” الذي كان يؤمّن تلقائيًا التوازن الطائفي والسياسي، يفتح الباب على احتمالات اختلال المناصفة، لا سيما في حال تمكنت لائحة مدنية أو سياسية من حصد عدد أكبر من المقاعد على حساب التوازن التقليدي. ولأن الانتخابات البلدية تُحتسب وفق مبدأ النسبية، فإن الفارق البسيط في عدد الأصوات قد يُترجم إلى نتائج كبيرة في توزيع المقاعد.

‏خرق المناصفة: إشكالية قانونية أم سياسية؟

‏السؤال المحوري في هذه الانتخابات هو: هل يُخرق مبدأ المناصفة في حال لم تنجح أي لائحة توافقية؟ الجواب تقنيًا هو لا، لأن القانون لا يفرض المناصفة في البلديات، لكن الجواب سياسيًا واجتماعيًا هو نعم، لأن المناصفة في بيروت باتت جزءًا من التوازن النفسي والمجتمعي الذي يعطي شرعية للمجلس البلدي، حتى لو لم يكن ذلك مثبتًا في النص.

‏وفي هذا السياق، يُخشى أن يؤدي خرق هذا التوازن، ولو بصورة غير متعمّدة، إلى أزمة تمثيل أو حتى رفض شعبي واحتقان طائفي، لا سيما في ظل مناخات متوترة اقتصاديًا وسياسيًا.

‏بيروت بحاجة إلى أكثر من انتخابات

‏وسط هذا المشهد، يبرز غياب المشروع الإنمائي الجدي من معظم اللوائح، حيث تطغى الحسابات السياسية على الرؤية البلدية. والناس، في نهاية المطاف، لا يبحثون عن شعارات طائفية أو تحالفات سياسية، بل عن من يؤمّن الماء والكهرباء والنقل والنظافة، ويعيد شيئًا من كرامة الحياة في عاصمة كانت تُلقّب يومًا بـ”باريس الشرق”.

‏انتخابات بلدية بيروت لهذا العام هي أكثر من مجرد سباق على 24 مقعدًا بلديًا. إنها اختبار لقدرة المدينة على التجدّد، وإعادة صياغة عقد اجتماعي يقوم على المواطنة والكفاءة، لا على المحاصصة والهواجس الطائفية.

‏في ظل غياب البلوك الواحد وتعدد اللوائح، يبدو أن بيروت على موعد مع خرق للمألوف – فإما أن تتشكل معادلة جديدة تعبّر عن نبض الناس وهمومهم الحقيقية، أو يعاد إنتاج أزمة التمثيل، ولكن هذه المرّة من بوابة المجلس البلدي.

‏وفي الحالتين، لا مفرّ من الاعتراف بأن العاصمة لا تحتمل مزيدًا من التجريب… ولا من الفوضى.

المصدر بيروت نيوز