شكا عدد من المواطنين في الجنوب من اتصالات تردهم، منذ بداية أزمة كورونا، من “قوى الأمر الواقع” في المنطقة، تسألهم عن وضعهم الصحي بعد إصابتهم بفيروس كورونا، وعمّا إذا كانوا يحتاجون أيّ مساعدة.
ومن بين الذين وردهم هذا الإتصال الناشط الحقوقي رياض عيسى، ابن بلدة الهبارية، ذات الأكثرية السنيّة. وهي واحدة من قرى العرقوب، حيث الثقل السنّي في جنوب لبنان.
رياض الذي أصيب وابنتيه بفيروس كورونا، هو واحد من جنوبيين كثر يسكنون في ضواحي العاصمة بيروت، ضمن نطاق بلدي حيث البلديات تابعة لحزب الله. لكنّه لم يكن يعلم أنّ هذا الامتداد الجغرافي سيجعل بياناته متاحة للحزب، كما بيانات كثيرين قبله. فبعد أسبوع من إجراء رياض وعائلته الفحوصات في مستشفى رفيق الحريري الدولي، وتحديداً يوم الإثنين الماضي، اتّصلت سيدة من “اللجنة النسائية” في حزب الله، بابنته الصغرى، وليس به أو بالابنة الكبيرة، وسألتها عن الوضع الصحّي للعائلة، وعن عدد المصابين، وإن كانوا بحاجة لأيّ مساعدة، وأقفلت الخطّ.
هذا الاتصال أغضب عيسى، خصوصاً أنّه أجرى الفحوصات في مستشفى حكومي، ، فما كان منه إلا أنّ تحدث عنه عبر صفحته “فيسبوك” واضعاً تسريب البيانات برسم الرأي العام.
فحوى الاتصال بابنة رياض، مماثل لاتصالات وردت لسيدات أصبن بفيروس كورونا في نطاق بلدية الغبيري، بعضهن سكت، والبعض الآخر سأل: من أين حصلت اللجنة النسائية في حزب الله على أرقامنا؟
الفارق الوحيد أنّ رياض يسكن ضمن نطاق بلدية الشويفات. لكنّه ليس بالفارق الجلل، فالحزب المسيطر في البلديتين هو نفسه.
إدارة مستشفى رفيق الحريري حيث أجريت الفحوصات أكّدت أنّ لا علاقة لها بتسريب البيانات. فهي تسلّم الداتا إلى وزارة الصحّة. مصادر وزارة الصحة نفت من جهتها أن يكون لها أيّ علاقة بهذا التسريب أو بغيره: “نحن نسلّم الداتا التي تصلنا إلى البلديات حصراً كي تتابع الحالات التي لديها”، مؤكدة في اتصال مع”أساس” أنّ “هناك سرّية للمرضى ولبياناتهم ولا يحقّ لأيّ طرف توزيعها”.
بعد نفي المستشفى والوزارة، تواصلنا مع رئيس بلدية الشويفات زياد حيدر. “الريّس” الذي لم يكن صوته مرتاحاً لاتصالنا أو استفسارنا، اكتفى بجواب مقتضب وفحواه: “نحن لا نسرّب شيئاً ولا نقوم بهذه الأمور”.
إذاً، فالأطراف الثلاثة التي لديها رسمياً الداتا، نفت تسريبها، وبما أنّه ما من طرف رابع في هذا الملف، تواصلنا مع الهيئات النسائية في “حزب الله”، وكان السؤال المباشر: من أين حصلتم على هذه الداتا؟
قبل الإجابة، أكّدت مسؤولة “الهيئات النسائية” في حزب الله في بيروت، الحاجة عبير سلامة، لـ”أساس” أنّهم يعملون “كخلية أزمة كما سبق وأعلن حزب الله وليس فقط في الهيئات النسائية. وهذه الخلية تتعاون مع البلديات منذ بداية انتشار جائحة الكورونا، وتعمل على هذا الملف في المناطق حيث لنا تواجد، خصوصاً أنّ البلدية قد لا تملك الطاقم الكافي لمتابعة الناس”.
وتضيف الحاجة عبير: “نحن والأخوان في حزب الله لدينا خلية أزمة حقيقية والأرقام ترد من البلديات. والبلديات تقوم بدورها لجهة متابعة المرضى والتأكّد من التزامهم بالحجر، أما نحن كهيئات نسائية فنعمل على موضوع الاطمئنان على النساء ونحاول تقديم المساعدة، فيما يقوم الأخوة في الحزب بواجباتهم أيضاً مع الرجال”.
وفق الحاجة عبير، فإنّ المساعدات التي يقدّمونها تنقسم إلى نوعين: عينية أو مادية، تبعاً لما تحتاجه العائلة، مشيرة إلى أنّ “الاتصال الأوّل بالعائلة يكون من البلدية، التي تتابعهم وتصلهم بأحد الأطباء. أما نحن فنتصل بهدف الاطمئنان إلى أوضاعهم”.
غير أنّ البلدية لم تتّصل أبداً بالناشط رياض عيسى، وفق ما يؤكد في اتصال لـ”أساس”، موضحاً أنّ الاتصال الوحيد الذي وردهم، هو من اللجنة النسائية في حزب الله، ومتفاجئاً أنّ الاتصال كان حصراً لابنته الصغيرة، وهو لم يتم الاتصال به على الإطلاق: “لا أعلم لماذا لم يتم الاتصال بي لا من الوزارة ولا من البلدية ولا من الحزب. أختي أيضاً عندما أصيبت منذ شهر اتصلت بها مندوبة في اللجنة النسائية”.
رياض، وهو ناشط حقوقي، يستنكر في اتصاله معنا تسريب “داتا” عائلته: “هذا ليس منطقياً وليس من حقّهم، أنا لا أسمح لأيّ طرف أن يسرّب أرقام هواتف عائلتي إلى حزب سياسي. وهذا يدفعني إلى طرح أسئلة عدّة منها: لماذا هناك هيئة صحية وكشافة إسلامية في المطار؟ على أيّ أساس يتمّ التضييق على الصليب الأحمر وإعطاء دور للمنظمات الخاصّة؟ هل هناك من يريد إلغاء دور المؤسسات، فيصبح هناك وزارتي صحة، كما يوجد سلاحين ودولتين؟”.
ويستغرب عيسى عدم اتصال أيّ من الأجهزة الأمنية به للسؤال عن هوية الجهة التي اتصلت به بعد حصولها على الداتا: “كنت أتوقع من أحد الأجهزة الأمنية متابعة هذا الملف”، ويسأل: “هل نحن في دولة أم مزرعة؟ كيف يمكن للداتا أن تصل بهذه السلاسة لحزب سياسي؟”.
نحن إذاً أمام فضيحة مكتملة الأركان. حزب الله يستغلّ داتا المصابين بجائحة كورونا من أجل توسيع نطاق “شعبية” الحزب. وإن كان الاهتمام بأبناء البيئة طبيعياً، إلا أنّ توسّع الحزب صوب البيئات الأخرى، وتحديداً صوب العائلات، و”بنات” الناشطين غير المناصرين للحزب، يدخل في إطار الوقاحة السياسية، إضافة إلى أنّه مخالف للقانون، وينبغي أن تتحرّك الجهات القضائية لمحاسبة من يسرّبون “الداتا” وينتهكون خصوصيات المصابين بكورونا، في دعاية سياسية رخيصة تستغلّ أوجاع الناس وحاجاتها.