في معرض الحديث عن لبنان والعراق، غالباً ما تتردد مقولة “وحدة المسار والمصير”.
قبل اكثر من ثلاثة عقود، قال الرئيس كميل شمعون لمحدثيه “اسمعوا.. لبنان لا يتقسم إلاّ اذا تقسّم العراق، فإذا شاهدتم العراق يتقسم، هذا يعني بداية مرحلة الدويلات الطائفية والعرقية في المنطقة، وليس في لبنان فقط”.
منذ بدء الأزمة شهدنا التفافاً عراقياً لمساعدة لبنان وحكي عن تبادل تجاري وبروتوكول طبي وتزويد لبنان بالنفط مقابل سلع ومنتجات لبنانية.
فهل يصحّ الربط بين البلدين، والى اي مدى يمكن للعراق ولبنان ان يتكاملا ويتساندا اقتصاديا وتجارياً او حتى امنيا وسياسيا؟ هل تنطبق عليهما فعلا مقولة وحدة المصير والمسار؟
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين قال لـ”المركزية”: لا يمكن المقارنة بين البلدين لأن وضع لبنان يختلف عن العراق تماماً، فالعراق يملك الثروات ومليارات الدولارات التي يمكن ان ينهبوها ما شاؤوا دون ان ينهار البلد، في حين ان لبنان بلد مفلس ومنهار.
في العراق طائفة واحدة هي الشيعة الذين يمسكون بزمام السلطة ويختلفون بين بعضهم البعض وبين من هم مع ايران او ضدها وأقلية من السنّة والمسيحيين والأكراد بينما في لبنان 18 طائفة تتنافس.
حتى في الموضوع الامني، في العراق التحق قسم كبير من العراقيين بداعش بينما العشرات فقط التحقوا بداعش في لبنان.
في لبنان لا تفجيرات ولا فصيل مسلح اجتاح منطقة وحكمها، كل المعطيات مختلفة.
وعن الاتفاق الذي وقع بين لبنان والعراق حول النفط مقابل الخدمات الطبية، أجاب شمس الدين: “منذ فترة دأب العراقيون على المجيء الى لبنان لتلقي العلاج.
فارتأى العراق، وبما انه بحاجة الى كادر طبي لتطوير القطاع الاستشفائي، ان يستقطب الاطباء اللبنانيين تسهيلاً لرعاياهم وليس العكس.
وبهذا بدل أن يحضر 3000 مريض عراقي الى لبنان، يوظف العراق 200 طبيب لبناني.
هذا الطبيب سيتقاضى أجره ويحضر معه الاموال الى لبنان، لكنها في المقابل لن توازي مجيء العراقيين وإنفاقهم على العلاج والاقامة في لبنان”، مشيراً الى “ان معظم السياح الذين يقصدون لبنان في السنوات الاخيرة هم من العراقيين، لأنهم لا يحتاجون الى تأشيرة دخول، ويتطببون ويلقون احسن ترحيب من اللبنانيين عكس ما يحصل معهم في مصر والاردن او غيرها من الدول”.
وعن النفط في المقابل، أكد ان الامر مجرد حبر على ورق، غير قابل عملياً للتنفيذ. لبنان لا يملك اي شيء للتصدير للدول بكميات.
اذا اعطانا العراق نفطا بقيمة فاتورة النفط الذي يستورده لبنان سنوياً والذي يبلغ 3 مليار ونصف المليار ليرة حاليا نتيجة انخفاض الاسعار وقلة الاستهلاك، فما الذي يمكن للبنان ان يصدره الى العراق بهذه القيمة؟ عندها يفرغ السوق اللبناني من البضائع وتنعكس ارتفاعا على الاسعار المحلية بشكل كبير، تحديداً الفواكه والخضار.
لماذا ارتفع مثلا سعر كيلو الموز؟ لأن التجار يصدرونه الى الاردن الكيلو بدولار اي 11 الف ليرة تقريبا ويبيعونه في لبنان بسعر 6 آلاف.
حتى اننا نستورد الثوم من الصين بقيمة 30 مليون دولار سنويا في حين يمكننا زراعته.
لبنان لا يملك مقومات الدولة، واللبناني غير منتج. هذا في الزراعة، اما في الصناعة فلبنان يستورد معظم المواد الاولية بالدولار، وهو ليس بلداً انتاجياً وصناعته مكلفة وبالتالي ليست لديه قدرة تصديرية، وحتى الكميات لو كانت كافية للتصدير ستؤدي حتما الى رفع الاسعار المحلية. في العام ٢٠١٩ استورد لبنان من العراق بقيمة ٤.٦ مليون دولار وصدر الى العراق بقيمة ١٤٦ مليون دولار. جل ما يمكن ان يفعله العراق هو ان يؤجل الدفع لا أكثر”.
في المقابل، أوضح شمس الدين ان لبنان يملك مقومات سياحية يمكن الاستفادة منها وهذا ما يجب البدء بالترويج له.
على لبنان ايجاد حلول ذاتية لمشاكله، اولها لقطاع الكهرباء اذ يمكنه التحول من انتاج الكهرباء على الفيول الى المياه.
منذ عام 1923 لبنان يملك معملاً يولد الطاقة الكهرمائية في وادي العرايش في زحلة ولا يزال يعمل حتى الآن، وبدون اي كلفة.
وعام 1970 كان لبنان ينتج سبعين في المئة من طاقته الكهربائية من المياه لكنه لم يطورها واستبدلها بالفيول وعقد الصفقات”، مقترحاً “استثمار الـ 3 مليار ليرة كلفة الفيول السنوية لبناء معامل كهرمائية فنخفف بذلك من التلوث والدفع، هذه المعامل تسمح بتأمين الطاقة بشكل كامل خلال الشتاء وبنسبة 70 في المئة صيفا عندما تشح المياه ونضطر لتشغيل معامل الفيول. كما يمكننا تطوير وتفعيل النقل العام وتقليص استيراد البنزين والمازوت وتخفيف التلوث والزحمة”.
وختم: “على لبنان البحث عن مكامن قوته والعمل عليها للوصول الى الاكتفاء الذاتي وتقليص النفقات”.