استحالة تشكيل جبهة لمواجهة إيران في لبنان؟

9 أبريل 2021
beirut News
قاسم قصير

تحتاج الدعوة إلى تشكيل جبهة وطنية أو شعبية عريضة لمواجهة نفوذ حزب الله أو ما يسمّى “الاحتلال الإيراني”، إلى مراجعة شاملة للبحث عن عناوين أكثر جاذبيّة والاتّفاق على عنوان جامع وشامل وواقعي لضم أكبر عدد من قوى المعارضة، وإلّا فلن تجد هذه الدعوات أيّة استجابة عملية في المرحلة الحالية، إلّا إذا كان رهانٌ على متغيّرات إقليمية أو دولية غير منتظرة في المرحلة المقبلة.

فقد تزايدت الدعوات أخيراً إلى تشكيل جبهة كهذه لمواجهة العهد الحالي والقوى الداعمة له، بهدف إسقاطه وقيام بديل سياسيّ ودستوريّ منه.

وتنوّعت الأهداف والشعارات التي يمكن أن تتبنّاها هذه الجبهة الشعبية الواسعة، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

أوّلاً: “مواجهة النفوذ الإيراني” أو “الاحتلال الإيراني” المتمثّل بحزب الله وحلفائه، بغضّ النظر عن مدى دقة هذا الشعار وواقعيّته.

ثانياً: نزع سلاح حزب الله ورفض أيّ حوار مع الحزب في ظلّ السلاح.

ثالثاً: إسقاط أو استقالة الرئيس العماد ميشال عون وانتخاب بديل منه بموازاة سحب التكليف من الرئيس سعد الحريري أو اعتذاره عن تشكيل الحكومة.


تزايدت الدعوات أخيراً إلى تشكيل جبهة كهذه لمواجهة العهد الحالي والقوى الداعمة له، بهدف إسقاطه وقيام بديل سياسيّ ودستوريّ منه


رابعاً: الالتفاف حول طروحات البطريرك مار بشارة الراعي الداعية إلى حياد لبنان وعقد مؤتمر دولي حول لبنان ونزع الشرعية عن السلطة القائمة.

خامساً: استقالة المجلس النيابي الحالي والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، سواء وفق القانون الحالي أو أيّ قانون جديد يمكن الاتفاق عليه.

سادساً: إحالة قضية لبنان على مجلس الأمن الدولي أو الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي يتبنّى القضية اللبنانية ويواجه الطبقة السياسية الحاكمة ويعمل على نزع سلاح حزب الله أو يفرض إجراءات لمحاصرته وإلزامه بتطبيق القرارات الدولية ونشر قوات دولية أو عربية على الحدود.

سابعاً: تبنّي البعض الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة من الاختصاصيّين تتولّى إدارة البلاد لفترة انتقالية تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابيّة والرئاسيّة وإجراء الإصلاحات المطلوبة وتغيير الطبقة السياسية القائمة.

وإن كان الشعار الأكثر انتشاراً بين القوى الداعية إلى تشكيل هذه الجبهة الوطنية العريضة: مواجهة حزب الله ونفوذه وإسقاط النظام السياسي القائم اليوم في الحكم والمدعوم من الحزب وحلفائه، وهو أكثر شعار محدّد وواضح.

لكن ما مدى واقعيّة هذه الشعارات كلّها أو بعضها؟ وهل الظروف ملائمة اليوم لخوض هذه المعركة الشعبية والسياسية؟ وما القوى التي يمكن أن تضمّها هذه الجبهة العريضة؟

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ البعض يحاول أن يقارن بين الدعوة إلى هذه الجبهة والحرب ضد حزب الله وسلاحه وما يطرحه البطريرك مار بشارة الراعي من طروحات، وبين المعركة التي افتتحها مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار نصر الله صفير عام 2000 بعد تحرير الجنوب.

معركة تبنّت الدعوة إلى إنهاء الوجود السوري في لبنان، وتبنّاها “لقاء قرنة شهوان”، ثمّ “لقاء البريستول”.

وهي التي مهّدت لصدور القرار 1559، ثمّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتشكيل “لقاء قوى 14 آذار”، ولاحقاً لخروج الجيش السوري من لبنان في 24 نيسان عام 2005.

فهل تتشابه الظروف اليوم وفي تلك المرحلة؟ وهل يمكن تشبيه المعركة ضد الوجود السوري بالمعركة ضد نفوذ حزب الله، أو ما يسمّيه البعض: “النفوذ أو الاحتلال الإيراني للبنان”؟

من خلال قراءة بسيطة للوقائع السياسية في لبنان والمنطقة والعالم، يتّضح أنّ الظروف تختلف كليّاً عن الأوضاع التي كانت سائدة ما بين عاميْ 2000 و2005: فلا قوى محلية فاعلة قادرة على مواجهة حزب الله ونفوذه، ولا ظروف إقليمية ودولية مناسبة لتشكيل أطر إقليمية ودولية داعمة لهذه المعركة، فيما العالم كله ينتظر الحوار الأميركي – الإيراني ونتائجه ومفاعيله.

لذلك يبدو تشبيه دور الحزب ونفوذه اليوم بالدور السوري تشبيهاً غير واقعي، لأنّ للحزب امتداداً داخلياً شعبياً كبيراً ولديه حلفاء ودعماً داخلياً لا يمكن مواجهتها بسهولة.


ما مدى واقعيّة هذه الشعارات كلّها أو بعضها؟ وهل الظروف ملائمة اليوم لخوض هذه المعركة الشعبية والسياسية؟ وما القوى التي يمكن أن تضمّها هذه الجبهة العريضة؟


لكن السؤال المهمّ: ممّن يمكن أن تتشكّل هذه الجبهة الشعبية؟ وما الكتلة اللبنانية التي يمكن أن تضمّها؟ وهل يمكن لهذه الجبهة أن تتوحّد على شعار مركزيّ موحد أو تختلف على الأهداف والعناوين؟

في قراءة سريعة لموازين القوى المحلية، ومقارنة بين الواقع اليوم وبين ما جرى في المرحلة السابقة، يمكن الإشارة إلى المعطيات التالية:

1- معظم القوى الأساسية، التي دعمت إخراج السوريين من لبنان وتبنّت معركة تطبيق القرار 1559، هي خارج الجبهة التي يُدعى إليها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يتبنّى الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية هذه الدعوة، وإن كان بعضهم يطرح شعارات عامّة كدعم البطريرك الراعي ودعوته إلى الحياد.

2- القوى الحزبية الوحيدة الفاعلة شعبياً، التي يمكن أن تتبنّى هذه الدعوة، هي حزب الكتائب اللبنانية، وجزئياً حزب الكتلة الوطنية وبعض المجموعات الشعبية المشاركة في حراك 17 تشرين.

وكل هذه القوى ليس لها حضور شعبي كبير وفاعل وواسع.

3- أمّا بقية الشخصيات والمجموعات التي تتبنّى هذه الدعوات فهي محدودة التأثير السياسي والشعبي، باستثناء الدور المعنوي والتوجيهي العام للبطريرك الراعي الذي يدعو إلى الحياد الناشط وعقد مؤتمر دولي حول لبنان، من دون تحديد الآليات العملية لتطبيق دعواته وتوفير الاستجابة الدولية والإقليمية والداخلية لها.

المصدر أساس